عدد أبيات القصيدة
قَالُوا: (عَشِقَتْ، وَأَرْسَلَتْ في الطَلَبِ
فَاذْهَبْ لِوِصَالِهَا بِقَلْبٍ طَرِبِ
قَالُوا شُغِفَتْ، وَسَاءَلَتْ عَنْ شَغَفٍ
فَاتْبَعْ سَبَبًا لِعِشْقِها، وَاقْتَرِبِ
يَا سَيِّدَ قَلْبِـهَا تَقَرَّبْ، وَكَفَى
وَارْجِعْ لِقَواعِدِ الْهَوَى في الْكُتُبِ
يَا قَلْبَكَ إِنَّ قَلْبَها مُنْتَظِرٌ
أَسْرِعْ)، فَرَدَدْتُ: (لَا أَرَى مَا بِهِ بِي)
قَالُوا: (ثَمِلَتْ، وَقَلْبُـها مُلْتَعِجٌ)
قُلْتُ: (اجْتَرَعَتْ كُؤُوسَ خَمْرِ الْكَذِبِ)(١)
قالُوا: (اعْتَرَفَتْ بِشَوْقِها، وَالْتَهَفَتْ)
قُلْتُ: (اخْتَتَلَتْ، وَقَلْبُها لَمْ يَذُبِ(٢)
مِنْ فِطْرَتِها، وَقَلْبُـها مُشْتَعِلٌ
أَنْ تُطْفِئَهُ بِرَمْيِنا في اللَّهَبِ
تَسْتَدْرِجُ في جَهَنَّمِ العِشْقِ فَتًى
يَهْوَي كَفَرَاشَةٍ إِلَى مُلْتَهِبِ
كُلُّ الـمُتَبَحِّرينَ في عِشْقِهِمُ
مِثْلي اكْتَشَفُوا افْتِتَانَها بِاللَّعِبِ
مُوتُوا أَمَلًا بِقِصِّةٍ قَدْ شَبِعَتْ
مَوْتًا، وَإِلَى فِرَاقِها مُنْقَلَبــي(٣)
قُولُوا لِـمَلِيحَتي كَفَانِي لَهَبٌ
يَلْتَاعُ بِهِ مُحَرَّقٌ في الحَطَبِ)
أَظْهَرْتُ لَهُمْ مَدَى عَذَابي؛ ضَحِكُوا
قُلْتُ: (انْتَسِبُوا لِغَيْرِ قَوْمِ العَرَبِ)
أَكْمَلْتُ لَهُمْ تَهَكُّمًا أَسْألُهُمْ:
(هَلْ تُعْجِبُكُمْ مُغَامَرَاتُ الأَدَبِ
فَاصْغُوا لِحِكَايَةٍ بَكَتْ في أَلَمٍ
مِنْ ذَبْحِ هَوًى، وَكَمْ بِهَا مِنْ عَجَبِ
مَشَّيْتُ لِقَصْرِهَا، وَقَلْبِـي وَلِهٌ
أَسْتَرْسِلُ مِنْ (دِمِشْقَ) حَتَّى (حَلَبِ)(٤)
تَاقَتْ سُبُلي، وَوِجْهَتـي الوَهْمُ قُبَا
لي صُورَتُها، وَظِلُّها في عَقِبي(٥)
رَافَقْتُ خَيَالَها، وَقَلْبي مَعَنا
شَادٍ نَهِمٌ لِصُحْبَةِ الـمُصْطَحَبِ(٦)
أَمْشِي مُتَرَنِّمًا بِهَا في هَزَجٍ
قَلْبي طَرِبٌ، وطَيْفُها لَمْ يَغِبِ
سَبَّحْتُ بِذِكْرِها تَنَفَّسْتُ بِها
عِشْقًا؛ فَغَدا مُوَسِّعي لِلْشُّعَبِ
شَوْقي لِجَمَالِها يُسَلِّي هَلَعِي
يُخْفِي فَزَعَ الـمُتَيَّمِ الـمُرْتَعِبِ
مَا أَنْ وَصَلَتْ لِقَصْرِها قَافِلَتي
حَتَّى احْتَضَنَتْ ظِلَالَهُ مِنْ تَعَبِ
أَرَّخْتُ وُصُولَ رِفْقَتي مُحْتَفِلًا
في أَلْفِ قَصِيدَةٍ بِصَدْحٍ صَخِبِ
يَسْتَوْقِفُنا بِغَلْظَةٍ حَاجِبُها
يَسْتَأْذِنُ في الـمُرُورِ أَعْلَى الرُّتَبِ(٧)
قَالَ: (انْتَظِرُوا مَعي لِكَي نَسْأَلَهُ
في شَأْنِ ضُيوفِنَا الْكِرَامِ النُّجُبِ)(٨)
مَاتَتْ ضَحِكًا، وَوَجْهُهَا لَاحَقَنا
مِنْ نافِذَةٍ مُرَاقِبًا عَنْ كَثَبِ(٩)
يَا لَيْتَ صَدَى السُّرُورِ في ضِحْكَتِها
يَدْنُو كَصَبَا النَّسِيمِ لِلْمُنَتَحِبِ(١٠)
قَدْ صَافَحَني الـمَزيدُ مِنْ أَسْئِلَةٍ
مِنْ آمِرِ جُنْدِ قَصْرِها عَنْ أَرَبِي(١١)
(مَا بَالُكَ قَدْ أَمَلْتَ في مَقْرُبَةٍ
مِنْ لَائِمِةٍ مِزَاجُها في الْعَتَبِ؟)
يَسْتَنْطِقُني؛ فَجِئْتُهُ مُعْتَرِفًا
في العِشْقِ بِمَا خَبَأْتُ مِنْ سرِّ خَبِي(١٢)
(يَا حارِسَها الذي لَنَا مُنْتَصِفٌ
مَا جِئْتُ إِلَيْكَ بَاحِثًا عَنْ شَغَبِ
يَا حَاكِمَنا بِدَوْلَةٍ حِكْمَتُهُ
كَالنُّورِ بِها، وَعُضْوِهِ الـمُنْتَدَبِ
أَقْبَلْتُ إِلَى بِلَادِكُمْ مُبْتَهِلًا
أَسْتَرْشِدُ مِنْ رَئِيسِها الـمُنْتَخَبِ
أَسْتَنْصِحُ عَالـِمًا يُدَاوِي أَلـَمًا
يَسْتَأْصِلُهُ كَبَلْسَمٍ لِلْوَصَبِ(١٣)
قَدْ أَهْلَكَني السُّؤَالُ عَنْ فَاتِنَةٍ
في الْقَلْبِ فَدَيْتُها بِأُمِّي، وَأَبِي
أَسْتَوْصِلُ لِي قَرَابةً حَقَّ بِهَا
وَصْلِي رَحِمي رِعَايَةً لِلْحُوَبِ)( ١٤)
أَرْدَفْتُ بُعيْدَ خِلْتُهُ مُنْدَهِشًا:
(إِنْ شِئْتُمُ فَاسْأَلُوا الهَوَى عَنْ نَسَبي(١٥)
قَلْبِي شَرِهٌ لِحُسْنِـها في عَطَشٍ
يَشْتَاقُ إِلَى لِقَائِـها الـمُرْتَقَبِ
قَلْبي عَجَزَ الذي يُدَاوي وَلِهًا
أَنْ يَرْأَبَ جُرْحَ صَدْعِهِ الـمُنْشَعِبِ(١٦)
شُرْيَانُ غَرَامِهِ بَكَى في كَرَمٍ
يَجْري دَمُهُ بِفَيْضِهِ الـمُنْسَرِبِ
يَحْتَاجُ وَرِيدُهُ لِتِرْيَاقِ هَوًى
يَسْتَرْجِعُ صَحْوَ نَبْضِهِ الـمُنْتَهَبِ
أَسْتَحْلِفُكُمْ بِخَالِقٍ أَنْشَأَكُمْ
أَنْ تَعْتَبِرُوا بِعِشْقِهِ الـمُسْتَلَبِ)
قَالَ: (ابْتَعِدُوا، وَأَكْرِمُوا صُحْبَتَهُ
لَا خَوْفَ؛ فَذَا الفَتَى بِقَلْبٍ خَرِبِ)
صَاحَ الـمُتَوَجِّسونَ مِنْ عَسْعَسِهِ:
(نَسْتَوْثِقُ مِنْ فُؤَادِهِ الْـمُنْجَذِبِ)
قَالَ: (انْتَشِلُوا الْعَزِيزَ مِنْ ذِلَّتِهِ
رِقُّوا لأُولِـي الهُيامِ يَالَ الرِّيَبِ(١٧)
هَذَا هَوَسٌ أَتَى عَلَى مُبْتَئِسٍ
لَا يُسْأَلُ في جُنُونِهِ عَنْ سَبَبِ
عِشْقٌ كَوَبَا يَطِيحُ في عالَـمِنا
لَا يَتْرُكُ، رَغْمَ حِيطَةِ الـمُجْتَنِبِ(١٨)
كَمْ مِنْ أَلَمٍ مُخَلَّدٍ يَسْكُنُ في
قَلْبٍ سَقِمٍ مِنَ الجَوَى لَمْ يَطِبِ
لَا تَلْتَمِسُوا الْعَدَاءَ مِنْ مُنْتَحِرٍ
لَا تَنْتَظِروا الْغَرَامَ مِنْ مُكْتَئِبِ
هَذَا لَـمُفَرَّقٌ بِحَقٍّ دَمُهُ
مَا بَيْنَ مَصَائِبِ الهَوَى، وَالنُّوَبِ(١٩)
لَا بَأْسَ بِهِ؛ فَحَقِّقُوا مَطْلَبَهُ
أَضْغَاثَ مُنًى لِفِكْرِ عَقْلٍ عَطِبِ
المعاني
(٢) اختتلت: خدعت، مكرت.
(٣) منقلبي: مرجعي ومحلّي.
(٤) مشّيت: مشيت كثيرا.
(٥) في عقبي: في إثري.
(٦) المصطحب: المرافَق.
(٧) حاجبها: حارسها.
(٨) النجب: مفردها نجيب.
(٩) عن كثب: عن قرب.
(١٠) صبا: رياح مشرقيّة.
(١١) أربي: حاجتي.
(١٢) خبي: خبيء: مستور.
(١٣) الوصب: الوجع والمرض.
(١٤) الحوب: قرابات من الأمّ.
(١٥) بعيد خلته: بعد أن ظننته بلحظات.
(١٦) المنشعب: المتفرّق.
(١٧) يال الريب: يا آل الشكّ والريبة.
(١٨) كوبا: كوباء، المجتنب: المحترز.
(١٩) النوب: المصائب.