عدد أبيات القصيدة
أَصُبُّ بِغَابَتِي أَصْدَاءَ مَائِي
تُطَارِدُهَا الْغَرِيزَةُ فِي الْبَقَاءِ(١)
فَوَرَّتْ نَهْرَهَا الغَابَاتُ عَنِّي
كَتَوْرِيَةِ الْمَعَانِي فِي الْخَفَاءِ(٢)
فَجُدِّدَ نَبْعُ سَاقِيتي بِكَفٍّ
تُريقُ الْمَاءَ مِنْ رَحِمِ الْفَنَاءِ(٣)
فَلَمَّا أَنْ تَرَوَّى النَّاسُ مِنْهَا
تَطَلَّعَ نَضْحُهَا صَوْبَ الْفَضَاءِ(٤)
تَسَامَى رَاجِعًا لِي مُطْمَئِنًّا
كَمَا يَسْمُو الرَّجَاءُ مَعَ الدُّعَاءِ
وَفَاحَ الشِّعْرُ؛ إِنَّ الشِّعْرَ رَسْمٌ
وَلَكِنْ بِالْخَيَالِ عَلَى الْهَوَاءِ
شَرِبْتُ مِنَ الْخَيَالِ زُهَاءَ بَحْرٍ
فَأَعْطَشَنِي، إِذَا اكْتَمَلَ، ارْتِوَائِي(٥)
ذَهَبْتُ لِغَفْوَةِ الْهَيْفَانِ.. لَيْلي
تَسَقَّى النُّورَ مِنْ وَمْضِ الْغِنَاءِ
أَطَلَّ الصُّبْحُ لَكِنْ دُونَ مَوْتٍ
عَلَى وُسُدِ اللَّيَالِي وَالْمَسَاءِ(٦)
كَوَجْهَيْ كَوْكَبٍ بِنَهَارِ شَمْسٍ
يُنِيرُ الْجَانِبَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ(٧)
هَرَبْتُ مُفَارِقًا وَالضَّوْءُ خَلْفِي
وَفِي ذِهْنِي الصِّدامُ (الْكَرْبَلَائِي)
ذَهَبْتُ مُغَاضِبًا.. حُلْمي تَدَلَّى
إِذَا مَا الصَّبْرُ فَاضَ مِنَ الْإِنَاءِ
إِلَى غَارِ الْقَرِيحَةِ آبَ حُلْمِي
تَنُوءُ رُؤَى التَّجَلِّي بِاخْتِبَائِي
يُنَادِى وَحْيُ لَيْلِ الْغَارِ اقْرَأْ
فَأَهْمِسُ مَا أَنَا بِأَخِ الْقِراءِ
فَأُجْلَدُ مَرَّتَيْنِ بِسِحْرِ (اقْرَأْ)
فَأَتْلُو مَا تَنَزَّلَ في (حِرَائِي)(٨)
أَنَا الرَّاعِي وَأُمِّي (الضَّادُ) مَرْعَى
رَعَايَانَا رَحِيقٌ ذُو رَّوَاءِ
طَوَيْتُ الْأَرْضَ وَالْـمَعْنَى طَرِيقِي
نَثَرْتُ الْعِطْرَ فِي مُدِنِ اقْتِرَائِي(٩)
وَلَوَّنْتُ الْمَعَانِيَ إِنْ غَوَانِي
مَجَازٌ قَدْ تَكَنَّى بِالْخِبَاءِ(١٠)
تَشَبّثَ بي فَأَخْلِطُهُ بِطِينِي
وَأَسْقِي لَفْظَهُ مَاءَ السَّمَاءِ
تُؤَامِرُنِي عَصَايَ وَمَا عَسَانِي
أَصُوغُ الْعُذْرَ في أَمْرِ اخْتِفَاءِ(١١)
جَلَا عَنْهَا الْيَقِينُ.. طَرَحْتُ سُؤْلًا
إِذِ اسْتَفْهَمْتُ مَا أَمْرُ الْجَلَاءِ(١٢)
فَتَنْهَرُنِي إِذا مَا ضَجَ أَمْرٌ،
أُسَائِلُهُ، تَقَوَّمَ بِالْتِوَاءِ(١٣)
وَتَجْفُونِي إذا ثَنَّيتُ سُؤْلِي
لِيَرْتَاعَ الْجَلَاءُ مِنَ اجْتِرَائِي(١٤)
وَتَقْطَعُ بي، إِذَا اسْتَفْهَمْتُ (مَا)، مَا
تُحَرِّضُنِي عَلَى هَشِّ الرِّعاءِ(١٥)
فَتُلْقِي بِالْعَصَا عَرَضًا يَدِي إِنْ
تَمَلْمَلَ مِنْ عَصَا الشِّعْرِ اتِّكَائِي(١٦)
أَخُطُّ الْبَيْتَ كالثُّعْبَانِ أَلْقَى
بِضِلْعٍ مُنْحَنٍ خَطَّ اسْتِوَائِي
وَخَرَّتْ سُجَّدًا أَلْفَاظُ سِحْرٍ
وَتَرْكَعُ لِلصَّلَاةِ عَصَا انْحِنَاءِ
وَغُلَّ الْجَمْعُ مِنْ مَلَإٍ وَجُنْدٍ
عَنِ التَّأْوِيلِ ضَلُّوا في ارْتِئَاءِ(١٧)
وَمِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ جَاءَ سَعْيٌ
تَسَلَّلَ بَيْنَ صُوفِ الْأَوْلِيَاءِ
يَخِيطُ الشِّعْرَ جُبَّاتٍ وَبُرْدٍ
يُفَرِّقُ دِفْءَ خُبْزِ الْأَنْبِيَاءِ
وَيُمْطِي الْأصْفِيَاءَ عُلُومَ خِضْرٍ
وَلَمْ يَسْطِعْ رُكُوبَ الصَّبْرِ رَاءِ(١٨)
وَيَأْتِي الْغَيْثُ منْ قَلْبٍ سَلِيمٍ
يَشُفُّ الْقَصْدَ مِنْ دَاءٍ عَيَاءِ(١٩)
بِحَدْسٍ والصَّدَى وِرْدٌ يُرَوِّي
نَقَاءً جَدَّ فِي كَشْفِ النَّقَاءِ(٢٠)
كَظِلٍ زِئْبَقٍ لَمَّا تَخَفَّى
بِأَعْتَابِ الرِّدَاءِ وَفِي الرِّدَاءِ(٢١)
قَرِيبٍ حَاضِرٍ قَاصٍ، إِذَا مَا
تُحَاوِلُ قَبْصَ ضَوْءٍ مِنْهُ، نَاءٍ
فَجَادَ الْغَيْثُ إِيمَانًا بِشَكٍّ
وَكُلُّ حَقِيقَةٍ مَحْضُ ادِّعَاءِ
المعاني:
(٢) ورّت نهرها الغاباتُ: أخفت الغابات نهرها عني وأظهرت غيره.
(٣) من رحم الفناء: من العدم.
(٤) نضحها: أثرها الصادر منهم.
(٥) أعطشني ارتوائي: جعلني هذا الارتواء أشعر بالعطش.
(٦) الهيفان: العطشان، ليلي تسقّى النور: شرب ليلي النور.
(٧) ينير الجانبين على السواء: النهار ينير جانبي الكوكب المقابل للشمس والآخر.
(٨) حراء: غار تنزّل فيه أوّل الوحي.
(٩) مدن اقترائي: مدن قراءتي.
(١٠) تكنى بالخباء: تستّر بالخيام وغمُض كالـمُختفي.
(١١) تؤامرني: تشاورني، العصا: استخداماتها عديدة كالكشف عن الماء وللرعي بالهشّ والاتّكاء وإنزال العقاب إضافة لقصة معجزات موسى عليه السلام، أمر اختفاء: أمر الغموض.
(١٢) جلا عنها اليقين: لم تدر حقيقة المعنى الغامض، ما أمر الجلاء: سألتها عن أمر الجلاء قائلًا ما أمر جلاء الحقيقة عنكِ؟
(١٣) فتنهرني: فتزجرني، إذا ما ضج أمر: إذا سألت أمر الغموض الذيْ تنبع استقامته من غموضه والتوائه فضج غاضبا من سؤالي له.
(١٤) ثنّيت سؤلي: سألت سؤالًا ثانيا، يرتاع الجلاء: يرتعب الجلاء (الغموض أو كلمة الجلاء أو مفهومها).
(١٥) استفهمت ما: سألت الأداة الاستفهاميّة أن تُفهمني، ما تحرضني: استفهمت ما التي تحرضني أو استفهمت ما التي تحرضني كما في (وما يدريك لعله يزّكى) أو تقرأ صوتيّا؛ ماما حكاية صوت الماعز أو ماما بمعنى الأم (الضاد) المذكورة ببيت من قبل، الرعاء: الرعاة أو المراعاة والنظر والمراقبة.
(١٦) عرضًا: من غير قصد أو رويّة.
(١٧) غُلّ: عطش، ارتئاء: رؤية أو إبصار أو اعتقاد.
(١٨) يُمطي: يجعلهم يركبون هذه العلوم؛ يستخدمونها، راء: ناظر ومبصر.
(١٩) يشفّ: يرسم القصد (المعنى) من داء عياء (الغموض) بواسطة ورق شفاف (الحدس؛ في البيت التالي).
(٢٠) الصدى: صدى الشعر في المخيّلة، نقاء جدّ في كشف النقاء: صاحب القلب النقي الذي جد كي يكشف المعنى النقيّ.
(٢١) كظلٍ زئبقيّ: المقصود الصدى الشعري.