قصيدة السميرة

Home » منتدى القصائد » قصيدة السميرة

عدد أبيات القصيدة

٢١٧

أَأَعْرَضَ خِلٌّ أَمْ جَفَاكَ نَدِيمُ

فَأَمْسَيْتَ فَرْدًا تَبْتَلِيكَ غُمُومُ(١)

 

وَبِتَّ وَحِيدًا لَا تُطَارِحُ مَجْلِسًا

سَمِيرُكَ جِنٌّ، وَالْحَدِيثُ هُمُومُ(٢)

 

أأَمْكَرَكَ الْـمَعْشُوقُ أَمْ صِرْتَ عِبْرَةً

فَآلَسَكَ الْأَوْفَى، وَخَانَ ضَمِيمُ(٣)

 

فَوَاعَدْتَ لَيْلًا سَرْمَدِيًّا، بِسُهْدِهِ

يُكَلَّمُ صَمْتٌ أَوْ تُعَدُّ نُجُومُ

 

فَظَلْتَ تُدِيرُ الذِّكْرَيَاتِ وَنَضْحَهَا

وَطَارَدْتَ سِرًّا، وَالزَّمَانُ كَتُومُ)

 

وَتُصْبِحُ فِي مَا بِتَّ فِيهِ وَهَكَذَا؛

قَدِيمُكَ غَضٌّ، وَالْجَدِيدُ قَدِيمُ(٥)

 

وَتَسْبَحُ في الدُّوَامِ تَطْفُو، وَتَنْهَوِي

كَأَنَّكَ في بَحْرِ الْكَثِيبِ تَعُومُ(٦)

 

لَيَالِيكَ لَيْلٌ، دَوْمَ دَهْرِكَ، وَاحِدٌ

وَلَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الْقَتَامِ بَهِيمُ(٧)

 

فَإِنْ فَاتَ مِنْ تَعْدَاءِ لَيْلٍ صَرِيمُهُ

تَجَدَّدَ مِنْ عَدْوِ الْهُمُومِ صَرِيمُ(٨)

 

فَلَا يَصْدَعُ اللَّيْلُ الدُّهَامُ لِصُبْحِهِ

وَلَا تَنْجَلِي فِي الْفَجْرِ مِنْهُ هُزُومُ(٩)

 

وَإِنَّ غَرَّ إِشْرَاقٌ تَسَبَّجَ نُورُهُ

وَصُبْحُكَ إِنْ حَلَّ الصَّبَاحُ يَغِيمُ(١٠)

 

وَأَغْضَى نَهَارٌ عَنْكَ، وَاسْتَعْذَبَ النَّوَى

وَأَغْضَى مَسَاءٌ كَاحِلٌ وَفَحِيمُ(١١)

 

تُشَاغِلُكَ الْأَحْدَاثُ بَعْدَ انْصِرَامِهَا

وَجَلْبُكَ أَفْوَاتَ السِّنِينِ أَلِيمُ(١٢)

 

وَيَنْهَشُكَ الدَّهْرُ الْـمُجِيدُ بِفَتْكِهِ،

بِهَمِّ صُرُوفٍ كَيْدُهُنَّ عَظِيمُ

 

وَيَوْمُكَ يَا بْنَ اللَّيلِ أَرْوَقُ قَاتِمٌ

وَيَعْلُو مَنَى كَوْنٍ عَلَيْكَ قُتُومُ(١٣)

 

وَيُبْلِيكَ تَنْقِيبٌ بِأَجْدَاثِ سِيرَةٍ

وَأَطْلَالُ ذِكْرَى في الْهَوَى، وَرُسُومُ(١٤)

 

تَقَلَّبْتَ فِي سُهْدِ الْفِرَاشِ، وَصَحْوِهِ

ضَجِيعُكَ تِيهٌ، وَاغْتِرَابُكَ نِيمُ(١٥)

 

تَلُتُّ كَثَرْثَارٍ، وَتَعْجِنُ قِصَّةً

وَتَنْطِقُ جُرْحًا، وَاللِّسَانُ كَلِيمُ(١٦)

 

وَبَصَّرتَ مَا تَرْجُوهُ في حُلْمِ يَقْظَةٍ

وَأَحْلَامُكَ الْـمُسْتَبْصِرَاتُ سُمُومُ(١٧)

 

وَمَنَّيْتَ ذَاتَ الصَّدْرِ إِفْكًا، وَبَاطِلًا

بِأَيَّامِ رَغْدٍ مَا لَهُنَّ قُدُومُ(١٨)

 

وَعَلَّقْتَ أَحْبَالَ النُّفُوسِ، وَفَأْلَهَا

بِأَحْبَالِ وَهْمٍ لِلْعُقُولِ تُنِيمُ(١٩)

 

وَنَقَّبْتَ في الذِّكْرَى، وَتَأْمَلُ رَجْعَهَا

وَعَيْنُكَ إِنْ ذُقْتَ الْفَوَاقَ سَجُومُ(٢٠)

 

بَكَيتَ أَمَامَ الذِّكْرَيَاتِ مِنَ الشَّجَا

عِيَانًا، وَإِعْوَالُ الرِّجَالِ أَثِيمُ(٢١)

 

وَأَعْيُنُكَ الْعَيْلَى لِدَمْعٍ، وَمَدْمَعٍ

يُفَرِّطْنَ في دَمْعٍ وَهُنَّ سُجُومُ(٢٢)

 

بِفَلْذَاتِ أَكْبَادٍ يُضَحِّينَ عَنْ ضُنَى

(كَمُوسَى) إِذَا أَلْقَتْهُ يَمًّا رَءُومُ(٢٣)

 

تَنَصَّلَ مِنْكَ النَّوْمُ مِثْلَ لَآَلِئٍ

تَمَلَّصَ مِنْهَا فِي الْقِلَادِ بَزِيمُ(٢٤)

 

وَرَاعَ الْكَرَى فَيْضُ الْهَوَاجِسِ في الدُّجَى

وَسَيْلٌ مِنَ الْأَفْكَارِ فِيهِ عَرِيمُ(٢٥)

 

وَصِرْتَ كَرَاعٍ لَا يُبَارِحُ ضَفَّةً

بِنَهْرٍ لِأُخْرَى حِينَ أَجْفَلَ رِيمُ(٢٦)

 

شَرَدْتَ بِفِكْرٍ لَا تَرَى مِنْهُ مَهْرَبًا

وَخَيَّمَ مِنْ بُؤْسٍ عَلَيْكَ سُهُومُ(٢٧)

 

وَأَجْهَزَ تَقْطِيبٌ، وَوَجْهُكَ عَابِسٌ

وَأَطْبَقَ كَالَّليْلِ السُّخَامِ وُجُومُ(٢٨)

 

تَفَرَّسْتَ في تَأْوِيلِ غَيْبٍ مُغَيَّبٍ

وَسَعْيُكَ في فَهْمِ الرُّمُوزِ عَدِيمُ

 

وَهَمُّكَ تَرْكِيبُ التَّفَاصِيلِ عَيْنِهَا

وَتَرْبِيطُ أَحْدَاثٍ لِيُمْحَى الطُّسُومُ(٢٩)

 

وَجَهْدُكَ في اسْتِنْطَاقِ وَعْيِكَ خَائِرٌ

وَنَبْشُ قُبُورِ الذِّكْرَيَاتِ جَحِيمُ

 

وَمَاضِيكَ يَمْضِي؛ لَمْ تُحِطْ خَبَرًا بِهِ

وَلَكِنَّ جَلْدَ الذَّاتِ مِنْكَ يَدُومُ

 

تُفَتِّشُ عَنْ أَمْرٍ، وَمُلْغِزِ غَامِضٍ

فَتُخْفِي سَمَاوَاتِ الْأُمُورِ غُيُومُ

 

وَأَعْيَاكَ مَا أَوَّلْتَ مِنْ بُهْمَةٍ تَرَى

مَخَايِلَهَا لُغْزًا، وَأَنْتَ تَشُومُ(٣٠)

 

تَنُوءُ بِجَهْلِ الْعَارِفِينَ، وَكِبرِهِ

وَبَيْنَا انْجَلَى مَا أَسْعَفَتْكَ عُلُومُ(٣١)

 

تُرَاوِدُ حَدْسًا، وَالزَّمَانُ مُبَدَّلٌ

وَذُو الْعِلْمِ هِرْجٌ، وَالْجَهُولُ عَلِيمُ(٣٢)

 

وَأَحْمَقُ عَقْلٍ بِالْأَمَارَاتِ عَالِمٌ

وَفَسْلٌ لِـمَا بَيْنَ السُّطُورِ فَهِيمُ(٣٣)

 

وَكُلُّ انْكِشَافٍ إِنْ تَبَلَّجَ مُبْهَمٌ

ورُؤْيَةُ أَهْلِ الْحَالِ فِيهِ وُهُومُ(٣٤)

 

وَكُلُّ أَكَاذِيبِ الْأَرَاجِيفِ، وَالْفِرَى

مُؤَكَّدَةٌ، وَالْبَيِّنَاتُ وُسُومُ(٣٥)

 

وَبُرْهِنَ بِالتِّبْيَانِ زُورٌ مُؤَكَّدٌ

وَأُخْفِيَ بِالتَّلْمِيحِ مَحْضٌ صَمِيمُ

 

وَكُلُّ وُهُومِ الْهَلْوَسَاتِ حَقِيقَةٌ

وَعَيْنُ يَقِينِ الْحَقِّ شَكٌّ ضَخِيمُ

 

وَتُصْبِحُ، إِنْ أَصْبَحْتَ، مُسْتَوْحِشًا إِذَا

يَقِينُكَ في مَوْتِ الشُّكُوكِ سَدِيمُ

 

وَمَا زَالَ مِنْكَ الرَّيْبُ والرَّجْمُ، وَالْـمِرَى

وَقَلْبُكَ فِي مَا زَالَ قَلْبٌ سَلِيمُ(٣٦)

 

أَطَبْتَ وَمَا دَاهَتْكَ إِلَّا بَرَاءَةٌ

وَمَا طَيِّبٌ إِلَّا لَدَيْهِ غَرِيمُ(٣٧)

 

وَتَقْبِضُ مَرْغُومًا عَلَى جَمْرِ عِفَّةٍ

وَطُّهْرُكَ جُرْمٌ، وَالْعِقَابُ وَخِيمُ

 

تَجَرَّعْتَ مِنْ كَأْسِ التَّوَجُّسِ خَشْيَةً

مُلِئْتَ بِذُعْرٍ، وَالْوِعَاءُ كَتِيمُ(٣٨)

 

وَأُلْقِيَ عَنْكَ الصَّبْرُ، وَالدِّفْءُ، وَالنَّجَا

وَعُرِّيتَ، وَاصْطَادَتْكَ أَمْسِ رُجُومُ(٣٩)

 

وَأَخْيَافُ أَرْيَاحٍ شَمَالٍ وَصَرْصَرٍ

وَمُورٍ تَتَلَّتْهَا رِيَاحٌ سَمُومُ(٤٠)

المعاني

(١) غموم: مفردها غمّ: كرب، ومصدر غمّ: أحزن.

(٢) لا تطارح مجلسا: لا تتبادل حديثا بمجلس، سميرك جنّ: وحيد لا تتحدث إلا لنفسك.

(٣) أأمكرك: هل خدعك، وآلسك الأوفى: خدعك وخانك أوفى أصدقائك، ضميم: صاحب ورفيق.

(٤) نضحها: رشحها.

(٥) غض: حديث العهد.

(٦) الدوّام: مفردها دوّامة، بحر الكثيب: الرمال المتحركة.

(٧) دوم دهرك: طوال عمرك، القتام: العتمة، بهيم: شديد الظلمة.

(٨) تعداء: عدو، صريم: قطعة من الليل.

(٩) يصدع للصبح: يميل إليه، الدهام: المظلم الدامس، تنجلي: تظهر وتنكشف، هُزوم: تباشير وميل للصباح.

(١٠) غرّ: أشرق وأضاء، تسبّج: تلحّف بالسبيجة (كساء أسود).

(١١) أغضى عنكَ: فارقك، أغضى المساء: أظلم، كاحل: أسود، فحيم: أسود.

(١٢) انصرامها: ذهابها، وجلبك: واستدعاؤك، أفوات: مفردها فوت: الأحداث الفائتة الماضية.

(١٣) ابن الليل: السهران الأرق (وتأتي بمعنى اللص والقمر)، أروق: شديد وعسير، منى كون: حجم وقدر كون، قتوم: اسوداد.

(١٤) أجداث: قبور، رسوم: آثار متهدمة.

(١٥) ضجيعك: رفيق فراشك، نيم: رفيق فراش.

(١٦)  تلتّ: تثرثر، تعجن قصة: تكررها، كليم: جريح.

(١٧) بصّرت: نجّمت.

(١٨) ذات الصدر: السريرة.

(١٩) أحبال النفوس: رغائبها وأمانيها المتعلقة بما ترغبه، فألها: استبشارها.

(٢٠) رجعها: عودتها، سجوم: باكية.

(٢١) عيانًا: علانية.

(٢٢) العيلى: التي تعول دموعها، مدمع: مسيل الدمع، سُجوم: باكيات.

(٢٣) بفلذات أكباد: بأولاد أصلها يضحين بفلذات أكبادهن، ضُنى: أولاد ويضحين عن ضنى: يترفّقن بهم، موسى: سيدنا موسى عليه السلام، رءوم: أمّ عطوفة على أولادها.

(٢٤) القلاد: مفردها قلادة، البزيم: خيط العقد.

(٢٥) راع فيض الهواجس الكرى: الهواجس أطارت النوم من عيني، سيل عريم: شديد.

(٢٦) أجفل ريم: نفر الريم وأعرض عن عبور النهر فاضطر الراعي للبقاء.

(٢٧) سهوم: شرود.

(٢٨) السخام: شديد السواد، وجوم: عبوس.

(٢٩) عينها: نفسها، الطسوم: الانطماس والغموض.

(٣٠) بهمة: غموض، مخايلها: علاماتها، تشوم: تتطلع إليها وترصدها.

(٣١) تنوء بجهل: أثقلك الجهل، بينا: بينما، انجلى: تبدّد.

(٣٢) هرْج: أحمق.

(٣٣) أمارات: علامات، فسل: جاهل وضيع.

(٣٤) تبلّج: وضح، أهل الحال: الذين كشفت الحجب عنهم، وهوم: أوهام.

(٣٥) الأراجيف: الإشاعات والفتن، الفرى: الأكاذيب، البينات: الأشياء الواضحات الحقيقية، وسوم: علامات.

(٣٦) الرجم: الشكّ والزعم، المرى: الشكوك.

(٣٧) أطبت: كنت طيّبا وجئت بالطيّبات، داهتك: أصابتك بمصيبة، غريم: عدوّ.

(٣٨) كتيم: لا يتسر سائل منه.

(٣٩) النجا: الثياب حين تُلقى، رجوم: مفردها رجم: حجارة الرجم.

(٤٠) أخياف: أخلاط مختلفة، شمال وصرصر ومور وسَموم: أسماء رياح.

تحقق أيضا من

قصيدة الكاميرا الخفية

إنما الشعر ما وخزا