عدد أبيات القصيدة
بِإِتْقَانٍ غَزَلْنَا غَرَامًا مُتْحِفَا
وَشَكَّلْنَا فَرِيقَ اغْتِيَالٍ في الْخَفَا(١)
وَتَكْتَكْنَا بِفَنٍّ، رَسَمْنَا خُطَّةً
لِقَتْلِ الْعِشْقِ طَعْنًا عَلَى أَنْ يَنْزِفَا(٢)
حَبِيبِي بَعْدَ وَجْدٍ تَفَشَّى ثَلْجُهُ
وَجَمْرُ الشَّوْقِ مِنْ بَرْدِ إِحْسَاسِي انْطَفَا(٣)
إِذَا مَا جَاءَنِي في لِقَاءٍ أَخْتَفِي،
وَهِجْرَانًا بِهَجْرِ؛ إِذَا جِئْتُ اِخْتَفَى(٤)
إِذَا مَا غَاصَ في عُمْقِ بَحْرِي أَعْتَلي،
إِذَا مَا انْسَبْتُ في بَحْرِهِ غَوْصًا طَفَا(٥)
قَدِ اسْتَمْلَحْتُ نَأْيًا، وَأَغْوَتْهُ النَّوَى
قَدِ اسْتَهْوَاهُ بُعْدِي، وَأَحْبَبْتُ الْجَفَا(٦)
وَكَتَّمْنَا سَلَامًا، لِيَسْنَى غَيْظُنَا
وَكَمْ مِنْ غُصْنِ حِلْمٍ تَدَاعَى، وَانْغَفَى!(٧)
وَرَبَّيْنَا هُيَامًا عَلَى قُوتِ الْجَوَى
وَإِبْعَادٍ وَنَفْيٍ؛ عَسَى أَنْ يَنْشُفَا(٨)
وَضَيَّقْنَا، فَشَبَّ الْهَوَى مُخْشَوْشِنًا
وَمُعْتَادًا لِيَحْيَا عَلَى لَعْقِ السَّفَا(٩)
فآهٍ مِنْ غَرَامٍ هَزِيلٍ بَائِسٍ
نُدَاوِيهِ الْتِعَاجًا بِمَحْلُولِ (الْجَفَا..)(١٠) (..ف)
وَحَوَّلْنَا وِئَامًا لِوَحْشٍ كَاسِرٍ
وَصَارَ الْعِطْرُ فِي وَصْلِنَا مُسْتَنْزَفَا
ولوَّنَّا هَوَاءً بِأَكْحَالِ الْجَلَا
وَأَبْدَلْنَا خِلَافًا بِأَجْوَاءِ الصَّفَا(١١)
نَجَحْنَا بِاقْتِدَارٍ، وَأَتْلَفْنَا الْهَوَى
كِلَانَا مِنْ كِلَيْنَا تَشَفَّى وَاشْتَفَي(١٢)
وَكُلٌّ بِالتَّرَاضِي نَظِيفٌ خَالِصٌ
وَمِنْ شُغْلٍ عَلَى أَبْيَضِ الْـمَاءِ احْتَفَى(١٣)
وَفِي وَحْيِ الْكِتَابَاتِ أَهْدَرْنَا دَمًا
وَفي سُلْطَانِ شِعْرٍ أَمَتْنَا أَحْرُفَا
وَشِعْرًا فَلْسَفِيًّا كَسُولًا قَدْ رَمَى
عَلَى جُمْهُورِهِ لُغْزَ مَعْنًى، واجْتَفَى(١٤)
((كَسَيْلٍ دَارَ في خَاطِرِ الصَّحْرَاءِ مِنْ
أُفُولِ الطِّينِ حَتَّى انْبِجَاسٍ لِلْعَفَا!))(١٥)
فَفَسِّرْ كُلَّ مَعْنًى لِبَيْتٍ سَابِقٍ
وأَوْضِحْ يَا غُلَامًا كَلَامًا مُتْرَفَا!(١٦)
وَذَا شِعْرٌ عَمِيقٌ، وَمَعْنًى خَارِقٌ
كَإِبْرَاتٍ تَخَّفَتْ بِقَشٍّ أَوْ غَفَا(١٧)
فَأَسْكَنَّا عَمِيقَ الْـمَعَانِي مَحْبَسًا
بِكُتَّابٍ عِمَاقٍ مَلَأْنَا أَرْفُفَا(١٨)
وَنُقَّادٍ يَتَامَى، وَأَقْصَى حُلْمِهِمْ
بِنَاءٌ لِلْأَطَارِيحِ أَوْ طَرْحُ اللَّفَى(١٩)
أَقَامَ الْوَغْدُ مِنْهُمْ بِمَكْرٍ مَعْبَدًا
لِتَقْدِيسِ الـْمَشَاهِيرِ أَيَّانَ اصْطَفَى(٢٠)
عَلَى التَّنْظِيرِ أَفْنَى، وَأَرْدَى عُمْرَهُ
وَعَنْ نَقْدٍ لِشِعْرٍ كَثِيرًا قَدْ غَفَا(٢١)
وَوَاَلى شَاعِرًا، عُهْرُهُ الثَّوْرِيُّ مَا
رَآهُ الْعُمْيُ وَالْكُمْهُ إِلَّا قَرْقَفَا(٢٢)
وَيَأْسَى إِنْ هَجَوْنَا مَنَاخًا عَاهِرًا
وَمِنْ ذُلٍّ قَدِ اخْتَارَ أَلَّا يَأْنَفَا(٢٣)
غَرِقْنَا في بِغَاءٍ ثَقَافِيٍّ، وَمَا
تَنَاءَى عَنْ خَيَالِي مَكَبًّا مُقْرِفَا(٢٤)
سِبَاقَاتٌ، وَلَجْنَاتُ فَرْزٍ خُصِّصَتْ
لِأَسْمَاءٍ كِبَارٍ بِهَا الْفَرْزُ احْتَفَى(٢٥)
وَتَيجَانٌ، وَمُلْكٌ لِذَوْقٍ هَابِطٍ
وَأَفْذَاذٌ يٌلَاقُونَ حُكْمًا مُجْحِفَا(٢٦)
وَذُو شِعْرٍ قَدِيمٍ تَبَنَّى عَرْكَةً
مَعَ الشِّعْرِ الْحَدَاثِيِّ حَتَّى أَنْزَفَا(٢٧)
وَمَا بَعْدَ الْحَدَاثِيِّ يَأْتِي مُنْجِدًا
وَلَمْ يَحْصُدْ بِحَرْبٍ سِوَى لَسْعِ الْقَفَا(٢٨)
فَأَعْيَانَا اخْتِلَافٌ، وَأَوْجَسْنَا بِهِ
فَهَاجَرْنَا كَهَجْرِ الْأَغَاني مِعْزَفَا
كَتَبْنَا أَلْفَ بَيْتٍ بِوَزْنٍ مُعْجِزٍ
بِشَعْبِيِّ الْأَسَالِيبِ نَبْنِي مَتْحَفَا(٢٩)
وأَنْشَأْنَا صُرُوحًا، وَشِعْرًا بَاذِخًا
وَحَوْلَ الشِّعْرِ قَلْبُ الْـمُرِيدِ اطّوّفَا
مَتَى أُنْهِي قَصِيدِي، وَيَصْفُو الْعَقْلُ لي؟
كَأَنِّي الْيَوْمَ أَهْذِي، وَعَقْلِي قَدْ سَفَا!(٣٠)
تُنَادِينِي الْقَوَافِي، وَدَوْمًا أَخْتَلِي
بِها، يَا لَيْتَهَا مِثْلُ أَمْطَارِ الْهَفَا!(٣١)
إِذَا شِئْتُ اقْتِصَادًا بِنَظْمِ الشِّعْرِ في
قَوَافِي أَشْطُرِي؛ تَأْتَلِي أَنْ تُسْرِفَا(٣٢)
وَتَهْتَاجُ الْقَوَافِي إِذَا مَا خُنْتُهَا
وَتَبْكِي بِاشْتِيَاقٍ كَقَلْبٍ إِنْ هَفَا(٣٣)
وَأَعْدُو خَلْفَ مَعْنًى بِوَعْيٍ لَاهِثٍ
وَمَكْنُونُ الْـمَعَانِي بِوَعْيِي أَوْغَفَا(٣٤)
لِنَرْجِعْ بَعْدَ كَرٍّ إِلَى مَوْضُوعِنَا
وَمِنْ حَيْثُ انْتَهَى، فَلْنُسَجِّلْ مَوْقِفَا(٣٥)
“وَفِي وَحْيِ الْكِتَابَاتِ أَهْدَرْنَا دَمًا”
وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا حَكِيمًا مُنْصِفَا(٣٦)
وَحَرَّضْنَا بِكَوْنِ الْـمَعَانِي جُمْلَةً
عَلَى تقْتِيلِ فِعْلٍ، وَمَفْعُولٍ، (وَفَا..)(٣٧) (..عِل)
وَأَنْزَلْنَا (امْرَأَ الْقَيْسِ) ضَيْفًا مُكْرَمًا
عَلَى أَطْلَالِ عِشْقٍ، وَأَنْشَدْنَا: (قِفَا..)(٣٨) (نَبْكِ)
وَضَيَّفْنَا (ابْنَ سَهْلٍ) وَمِنْ حُزْنٍ شَدَا
لَنَا “أَنْ لَسْتُ أَلْحَى عَلَى مَا أُتْلِفَا”(٣٩)
وَذَاكَ (ابْنُ الْخَطِيبِ) ائْتَوَى وَادِي الْغَضَا
وَغَنَّى “مَنْ إِذَا مَا اكْتَهَى عَهْدًا وَفَى”(٤٠)
فَأَهْدَرْنَا عُهُودًا، وَنَكَّلْنَا بِهَا
وَأَثْنَيْنَا مِرَارًا عَلَى مَنْ أَخْلَفَا(٤١)
لِأَصْحابِ التَّفَانِي مَنَحْنَا صَفْعَةً
خِيَانَاتٍ وَهَبْنَا جَزَاءً لِلْوَفَا(٤٢)
وَجَاءَ (الشَّنَفْرَى) مُسْتَعِدًّا بِالْـمُدَى
فَأَحْدَدَنًا أَسُنًّا، وَحَدَّدْنَا الشَّفَا(٤٣)
نَصِيرًا قَدْ أَتَانَا فَخُنَّا نَصْرَهُ
بِإِسْفِينٍ مُغَرٍّ، وَقُلْنَا: (بِالشِّفَا)(٤٤)
لِسَفَّاحٍ وَشَهْمٍ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ!
سَبَى مِنْ قَوْمِ عُرْبٍ فُؤَادًا مُرْهَفَا!(٤٥)
وَأَعْلَى شَأْنَهُ مَنْ بِهِ قَدْ فَاخَرُوا
وَأَفَشَوْا بَيْنَنَا قَاتِلًا مُسْتَعْفِفَا!(٤٦)
المعاني
(٢) تكتكنا: أعددنا وخطّطنا، على أن ينزفا: على أن يكون القتل نزفًا.
(٣) انطفا: انطفأ.
(٤) هجرانًا بهجر: هجرًا مقابل هجْرٍ.
(٥) أعتلي: أصعد.
(٦) استملحت: أحببت، الجفا: الجفاء.
(٧) يسنى: يرتفع ويظهر، انغفى: انكسر.
(٨) ينشف: ييبس ويجمد.
(٩) السفا: التراب.
(١٠) التعاجًا: همًّا وقَلَقًا، محلول الجفا: محلول الجفاف: محلول معالجة الجفاف.
(١١) أكحال: مفردها كحل، الجلا: الكحل، الصفا: الصفاء.
(١٢) تشفّى: برئ أو ثأر، اشتفى: برئ أو بلغ ثأرًا.
(١٣) شغل على أبيض الماء: نظيف، احتفى: مشي حافيًا.
(١٤) اجتفى: جفا.
(١٥) العفا: العَفَا من البلاد: ما لا أَثَرَ لأَحد فيها بِمِلْكٍ، والبيت للتمثيل (كمثال لا للحصر) لغوامض المعاني التي ذكرت في البيت السابق أو المعاني التي يعتقد الشعراء أنها غامضة حيث يُكثرون من إضافة كلمتي بال وخاطر، كغيرها من ثوابت التراكيب، للأشياء المادية غير الحيّة لإرباك المتلقي ذي الذائقة غير المعتادة على مجاراة الصورة بالغموض أو إيهام المتلقي من النخبة بدلالات عوالمه العجيبة!.
(١٦) مُترفا: نخبويًّا (للاستخفاف واللاستهزاء).
(١٧) الغفا: قشّ التبن والبيت للاستخفاف أيضًا.
(١٨) أسكنّا عميق المعاني محبسًا: وضعنا المعاني العميقة في السجن، ملأنا أرففا: وهؤلاء الكتّاب العماق وضعناهم على الأرفف دون استفادة منهم.
(١٩) الأطاريح: النظريّات والأبحاث والتنظير، اللفى: الشيء المطروح.
(٢٠) أيّان: حين “للتفخيم”.
(٢١) على التنظير أفنى عمره: أفنى عمره على تناول النظريات والتنظير دون اهتمامه بنقد الشعر سوى الاستغراق في الحياة الشخصية للشعراء المشهورين معتقدًا أن هذا الذي سيحقق له المجد.
(٢٢) الكمه: الأكمه: الذي يولد أعمى، ما رآه العمي والكمه إلا قرقفا: خمرًا لذيذًا مُسْكرًا: لهذا يوالي الناقد الشاعر أو الكاتب الثوري بعد تصفيق العميان له حيث يولد الشاعر العربيّ معتقدًا أنه لا بد أن يكون ثوريًا أو عاشقًا!
(٢٣) يأنف من الذل: يمتعض.
(٢٤) تناءى: تباعد، مكبًّا: مكبًّا للنفايات.
(٢٥) لجنات فرز: لجنات فرز قوائم المسابقات التي تتحفنا عامًا بعد عام بنفس الأسماء للكتاب الكبار المقرّرين على قوائمها ولا يدخل قوائمها إلا من حاز الاعتراف في قائمة أخرى.
(٢٦) حكمًا مجحفا: استبعادًا.
(٢٧) عركة: معركة، أنزف: لم يبقَ لهُ شيء، الشعر الحداثي: نوع من الشعر الحديث.
(٢٨) ما بعد الحداثي: شعر عصر ما بعد الحداثة وما بعد الحداثة مدرسة فلسفية أسماها المفكر المصري الأمريكي إيهاب حسن، لسع القفا: الزجر بالضرب.
(٢٩) وزن معجز: وزن شعريّ صعب، شعبي الأساليب: الأساليب التي تحوي ألفاظا وعبارات متداولة للعامة.
(٣٠) سفا: هذى.
(٣١) يا ليتها مثل أمطار الهفا: يا ليتها متقطعة كأمطار الهفا ولا تأتي مستمرة دائمة.
(٣٢) تأتلي أن تسرفَ: تأخذ عهدًا على نفسها أن تسرف.
(٣٣) هفا: اشتاق.
(٣٤) أوغف: لهث.
(٣٥) لنرجع بعد كر إلى موضوعنا: إلى موضوع فريق الاغتيال الذي شكّلناه.
(٣٦) “وفي وحي الكتابات أهدرنا دمًا”: هذا الشطر مكرّر بالقصيدة حيث الرجوع إلى الموضوع.
(٣٧) وفا: وفاعل.
(٣٨) بيت امرئ القيس المستدعى للأجواء “قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ).
(٣٩) بيت ابن سهل المستدعى لأجواء القصيدة: “وأنا أشكرهُ فيما مضى لستُ ألحاه على ما أتلفا”، وألحى: لام وعاتب.
(٤٠) ائتوى: نزل به: وادي الغضا: الوادي الذي يكثر به شجر الغضا المستخرج منه الحطب الفائق الجودة، وذكره لسان الدين الخطيب في البيت: “يا أهيل الحيّ من وادي الغضا وبقلبي مسكنٌ أنتم به”. وبيت لسان الدين الخطيب المستدعى لأجواء القصيدة هو” مَنْ إذا ما عقَدَ العهْد وَفَى وإذا ما فتح الخطب عقد”، واكتهى: عظّم.
(٤٢) للوفا: للوفاء.
(٤٢) الشنفرى: شاعر من الصعاليك العدّائين، المدى: مفردها مُدية؛ (المطواة)، الشفا: الحافة والجانب.
(٤٤) إسفين: وتد أو خازوق، مغرٍّ: مُلْصِق، الشفا: الشفاء؛ تمنياتنا بالشفاء العاجل.
(٤٥) فؤادا مرهفا: للسخرية من تناقضنا كعرب حيث نفتخر بشهامة السفاح.
(٤٦) مستعففا: آخذًا بأسباب العفّة.