قصيدة العشق الشهي

Home » منتدى القصائد » قصيدة العشق الشهي

عدد أبيات القصيدة

١٠٠

أَوْقَعْتِ    يَا  ذَاتَ    النِّقَابِ الـمُشْتَهِي

في  لَذَّةِ النَّظَرَاتِ،  وَالْعِشْقِ  الشَّهِي 

 

سَتَرَتْ     خَبِيءَ     الْحُسْنِ    عَنَّا جُنَّةٌ

فَتَكَشَّفَتْ  حُسْنًا    بِمَا   لَمْ     تُبْدِهِ(١)

 

وَتَصَيَّدتْ    عَيْنُ      الـْمَهَا      مُحْتَالَةً

قَلْبَ   التَّقِيِّ،    وَذَاكَ    فِعْلُ    مُتَيِّهِ

 

نَصَبَتْ عُيونُكِ في السَّبِيلِ   شِرَاكَهَا

نَصَبَتْ  شِبَاكًا  لِلْشَّرِيدِ      الْأَعْمَهِ(٢)

 

جَارَتْ   عَلَى  حَرَمِ   الطَّريقِ،    وَحَقِّهِ

بِبِجَادِ   حُسْنٍ    فَاتِنٍ،       وَمُرَهْرِهِ(٣)

 

فغَضَضْتُ طَرْفي  أَرْتَدِي  ثَوْبَ الحَيَا

وَالْقَلْبُ     مُجْتَهِرٌ رَنَا      لَمْ      يَكْتَهِ(٤)

 

عَرَّتْ     لَهُ     سَوْءَاتِهِ     كَشَفَتْ    لَهُ

في الْجَهْرِ عَنْ   أَسْرارِ   نُقْطَةِ   ضَعْفِهِ

 

فَنَّتْ       مَكِيدَةَ       مَاكِرٍ،   وَمُخَادِعٍ

دُهْوِيَّةٌ  وَرِثَتْ   دَهَاءً     مِنْ     دَهِ(٥)

 

أَخَذَتْ   بِأَطْرَافِ الْحَدِيثِ، وَسَلَّطَتْ

نَظَرَاتِها  في  قَلْبِ صَبٍّ   مُلْتَهِ(٦)

 

لِيَمُدَّ    حَبْلَ    الْوَصْلِ    مُرْتَحِلًا   لَهَا

إْنْ   يُرْخِهِ   لِعُيُونِهَا    لَمْ    تُمْهِهِ(٧)

 

لـَمَّا     تَدَلَّتْ    تَحْتَ     جُنَّةِ        بُرْقُعٍ

فَسَأَلْتُهَا:  (مَاذَا   عَنِ الوَجْهِ   الْبَهِي؟)

 

فَتَلَفَّتَتْ      عَنِّي       لأَجْلِ        رَفِيقَةٍ

(غَضْبَانَةٌ     أَمْ     أنَّني  لَمْ     أُشْبِهِ؟)

 

وَبِنَظْرَةٍ     أُخْرَى    بِهَا     قَدْ     غَلَّقَتْ

أَبْوَابَ   قَلْبي     النَّابِضِ       الـْمُتَأَوِّهِ

 

فَاسْتَفْرَدَتْ،   وَاسْتَعْبَدَتْ    مُتَعَفِّفًا

وَاسْتَمْلَكَتْ     مُتَأَوِّبًا  هَمَّتْ     بِهِ 

 

فَانْقَادَ      في      ظُلُمَاتِ    لَيْلِ     نِقَابِها

وَحَسِبْتُ قَلْبيَ   في   الـمَحَبَّةِ  لَا   يَهِي(٨)

 

زَجَّتْ    بِهِ   في   الْسِّجْنِ  طَاعَ  مُرَحِّبًا

وَكَأَنَّ    حَادِثَ     سِجْنِهِ   لَمْ       يَعْنِهِ

 

وَسَقَتْهُ     تِرْيَاقَ     الغَرَامِ،      وَسُمَّهُ

فَيَعِلُّ  مِنْ   خَمْرِ   الْغَرَامِ،   وَكَأْسِهِ(٩)

 

وَيَحِنُّ     مَنْ    ذَاقَ    الهَوَى  لِـمُذِيقِهِ

وَمَنِ   اشْتَهَاهُ   لِعِيشَةِ      الْـمُسْتَرْفِهِ

 

فَتَرَاهُ       مُخْتَالًا         بِسُمِّ      شَرَابِهِ

مُتذلِّلًا     طَوْعَ      الغَرَامِ،       وَأَمْرِهِ

 

كَالْـمُرْجَحِنِّ     يَتِيهُ      مِنْ       إدْمَانِهِ

يَغْتَرُّ   بِالرَّشَفَاتِ        كَالْـمُتجَوِّه (١٠)

 

أَسَفًا   عَلَى     زَيْنِ   القُلُوبِ، وَحَظِّهِ

يَا  لَيْتَهُ    قَدْ    عَاشَ    عِيشَةِ   أَهْلِهِ

 

يَنْفِي   اجْتِيَاحَ   اللَّحْظِ،  وَاسْتِعْبَادَهُ

هَا  قَدْ     أَتَى  بِإِشَارَةٍ  مِنْ   طَرْفِهِ

 

أَوَّاهُ     مِنْ      ذَاتِ   النِّقَابِ،   وَعَيْنِها

تَقْضِي  عَلَى    جُلِّ   الفُؤَادِ الـمُولَهِ(١١)

 

حَاطَتْ   بِهِ    في      كَوْكَبيْ    أَحْدَاقِهَا

وَقَضَتْ     عَلَيْهِ     بِلَحْظِهَا     الـْمُتَرَفِّهِ

 

لِيَصِيحَ:   (وَا     قَتْلي    بِلَحْظٍ   فَاتِكٍ

عَنْ   عِشْقِهِ   أَنَا لَسْتُ  بِالْـمُتَنَهْنِهِ(١٢)

 

أَوَّاهُ     يَا   أُخْتَ      الطَّرِيقِ      تَحَنَّني

وَتَرَفَّقِي         بِالْعَاشِقِ        الْـمُتَوَلِّهِ)

 

فَرَدَدْتُ: (يَا خِلَّ الْهَوَى قُلْ، وَاسْتَعِذْ

إِنِّي    أَعُوذُ  مِنَ  الغَرَامِ،   وَشَرِّهِ)

 

وَزَجَرْتُهُ     عَنْ    مُنْكَرَاتٍ   في   الهَوَى

وَنَهَرْتُهُ    غَضَبًا    فَقَالَ:    (وَهٍ وَهِ)(١٣)

 

وَبَكَى   مِنَ  الوَجْدِ   الْوَجِيعِ فَقُلْتُ:  (يَا

لَكَ  مِنْ  فُؤَادٍ  في الغَرَامِ مُوَهْوِهِ)(١٤)

 

فَأَجَابَني،     وَأَشَارَ    لِـي   أَنْ  هَاتِ  لي

نَظَرَ      الذِينَ     تَوَلَّهُوا،    وَبِهِ    رَهِ(١٥)

 

قُلْتُ: (اصْطَبرْ وَقْتًا، سِهنْسَاهُ، احْتَمِلْ)

فَأَبَى، وَقَالَ:   (دَهٍ    دَهٍ     إِلَّا  دَهِ)(١٦)

 

وَيْلِي   عَلَى  العُشَّاقِ    يَا  أَسَفِي   عَلَى

قَلْبِي    الـمُرِيدِ      النَاسِكِ    الْـمُتَأَلِّهِ(١٧)

 

وَأَتَيْتُ      عَقْلِي       عَائِذًا        هَايَأْتُهُ

في  أَمْرِ   قَلْبي في مَغَبَّةِ    فِعْلِهِ(١٨)

 

فَلَحَاهُ    عَقْلِي    قَالَ:     (قَلْبٌ      آبقٌ

فَهَلُمَّ  هَيَّا   هَاتِ     نَارًا،    وَاشْوِهِ)(١٩)

 

فَشَوَيْتُهُ    بِالنَّارِ    لَمْ   تُنْضِجْ    سِوَى

أَكْوَامِ    جَمْرِ       غَرَامِهِ      الـمُتَشَوِّهِ

 

أَسَفًا    عَلَى    قََلْبي  الشَّهِيرِ      بِأُنْسِهِ

أَسَفًا      عَلَيْهِ        الْبَاسِمِ      الْـمُتَفَكِّهِ

 

هَدَّدْتُهُ:    (سَأَسُبُّ    عِشْقًا      مُنكَرًا

وَلَأَهْجُوَنَّ  اللحْظَ     إِنْ     لَمْ   تَنْتَهِ)

 

فَيَقُولُ     لي:    (إِنَّ     الْهِجَاءَ   جَلافَةٌ

فِإِذَا     كَتَبْتَ  مَلِيحَ  شِعْرٍ     لَهِّهِ)(٢٠)

 

خَيَّرْتُهُ      ما               بَيْنَنا        فأَجَابَني:

(إنْ  لَمْ  يَكُنْ في تَرْكِها سَفَهِي؛ فَهِي)(٢١)

 

كَلَّمْتُ  نَفْسِي  في  الطَّريقِ،  مُصَادِفًا

فَتَيَاتِ  دَرْبٍ   رَاعَهُنَّ       تَفَوُّهي(٢٢)

 

فَسَأَلْنَ: (مَا   هَيَّانُ      عَقْلِكَ   يَا فَتًى؟)

فَرَدَدْتُ: (سَلْنَ فِعَالَ  قَلْبي  الْأَبْلَهِ)(٢٣)

 

وَوَرَدْتُ        دُكَّاني       (بِبَابِ       زُوَيْلَةٍ)

وَيُباعُ    لي      أَثَرٌ   لِـمِصْباحٍ    زَهِي(٢٤)

 

فَشَرَيْتُهُ       بِالْبَخْسِ     مِنْ     مُتَجَوِّلٍ

سَمِلِ  الدِّثَارِ   تَرَفُّقًا         بِالْأَكْمَهِ(٢٥)

 

وَفَتَحْتُ     ثُلْمَةَ       زَيْتِهِ؛    فَتَفَاوَحَتْ

بِعَتِيقِ    مِسْكٍ   بِالْبَخورِ      مُنَكَّهِ(٢٦)

 

فَذَكَرْتُ   ذَيَّاكَ       النِّقابَ،      وَعِطْرَهُ

وَشَمَمْتُ شَمَّ   الْـمُدمِنِ الْـمُسْتَنْكِهِ(٢٧)

 

عَاتَبْتُني،     وَبَّخْتُ      نَفْسِي      قَائِلًا:

(لَا    تَتَّبعْ     خَبَلًا لِقَلْبٍ     مُشْدَهِ(٢٨)

 

مَازِلْتَ       تَعْمَهُ    في   ضَلالِكِ   غَاوِيًا

تَمْشِي  وَرَاءَ     غَلِيلِ    مَاءٍ   مُسْفَهِ)(٢٩)

 

وَسَرَحْتُ    في     أَلْقِ    الخَيَالِ    كَأَنَّني

في     حُلْمِ  غَفْوَةِ    نَاعِسٍ،   وَمُعَوِّهِ(٣٠)

 

وَفَرَكْتُ    مِصْبَاحي؛   فَجِيءَ     بِمَارِدٍ

ضَخْمٍ   سَمَاوِيِّ      الرِّدَاءِ      مُقَهْقِهِ

 

فَأَبَاحَ        لي     مَمَّا        أُريدُ        ثَلَاثَةً

فَرَدَدْتُ         مِغْوَارًا،       وَغَيْرَ       مُتَهْتِهِ

المعاني

(١) جُنّة: سترة، غِطاءٌ لرأس المرأَة ووجهها ماعدا العَينَيْنِ.

(٢) الأعمه: المتحيّر المتردّد الذي لا يعرف أين هي وجهته.

(٣) مرهره: جميل، فاتن.

(٤) لم يكته: لم يحتشم (اكتهى أن يكلم فلان أعظمه وأجلّه).

(٥) دهويّة: مؤنث داهٍ، دهِ: مفرد دهون: داهٍ/ داهية.

(٦) ملته: منشغل عن شيء بغيره.

(٧) لم تمهه: لم ترخه (من أمهى، أمهى الحبل: أرخى الحبل).

(٨) لا يهي: لا يضعف.

(٩) يعلّ: يشرب تباعا أو يشرب الشربة الثانية.

(١٠) متجوّه: متكلّف، مدّعي الجاه.

(١١) جلّ: معظم.

(١٢) متنهنه: ممتنع عنه.

(١٣) وهٍ وهٍ: وهٍّ: آهٍ أو أفٍ، وه: اسم فعل مضارع بمعنى أحزن.

(١٤) موهوه: صارخ من الحزن.

(١٥) رَهِ: انظر: ره، ر، فعل الأمر من رأى.

 (١٦) سهنساه: اجعله خاتمة كل عمل لك، كلمة فارسية “أنظر القاموس المحيط، المعجم المفصل في العربي والدخيل للدكتور سعدي الضناوي”، دهٍ دهٍ إلّا دهٍ: الآن الآن وإلّا فلا للأبد (إن لم أغتنم الفرصة الآن فلن تأتيني بعد ذلك).

(١٧) متألّه: متنسّك، متعبّد.

(١٨) هايأته: أشركتهُ.  

(١٩) لحاه: قبّحه.

(٢٠) لَهّه: رقّقهُ، اجعله رقيقًا.

(٢١) إن لم يكن في تركها: حتّى وإن كان تركها هو عين العقل فإنّني أختارها.

(٢٢) راعهنّ: أخافهنّ.

(٢٣) ما هيّان: ما حال.

(٢٤) باب زويلة: أحد معالم القاهرة القديمة في شارع المعز، زهي: مشرق.

(٢٥) سمل: قديم وبال، الدثار: ثوب أو غطاء، أكمه: فاعل كمه: أعمى/ أعشى.

(٢٦) ثلمة: فوّهة، فتحة، شق المصباح الذي يوضع به الزيت، منكّه: مضاف إليها نكهة.

(٢٧) مستنكه: المستنشق.

(٢٨) عاتبتني: عاتبت إياي/ عاتبت نفسي، مُشدَه: المندهش المتحيّر من أشدهَ.

(٢٩) مسفه: المملوء المكثر من الشراب، ولم يرتو(انظر: “فما بهِ بطنُ وادٍ غبَّ نضحتهِ . . وإنْ تراغبَ إلاَّ مسفهٌ تئقُ” للشاعر عديّ بن الرقّاع).

(٣٠) معوّه: من عوّه: نام نومة خفيفة أو نعس آخر الليل.  

تحقق أيضا من

قصيدة حكم الغرام الراشد

أسفًا على صبٍّ شهيدٍ في الهوى وعلى نفيس دمِ الكريم الجائدِ ما كان مثلكَ يا (عليّ) بغزوةٍ أبدًا ولا هو في الدهاء (بخالدِ)