عدد أبيات القصيدة
اسْمَحْ بِهَذَا القُرْبِ مِنْكَ تَكَرُّمَا
وَاقْبَلْ بِعُذْري في هَوَاكَ مُقَدَّمَا
وَاصْفَحْ إِذَا تَاهَتْ قَدِيمًا دَفَّتِي
أَنْتَ الْحَبِيبُ أَمَلْتُ فِيكَ تَعَشُّمَا
حَاشَى لِحُبِّكَ أَنْ أُبَدِّلَ وِجْهَتِي
أَنَّى بِغَيْرِكَ أَنْ أَكُونَ مُتَيَّمَا(١)
فَارْفُقْ عَلَى عِشْقٍ تَوَلَّاهُ الْجَوَى
وَاحْفَظْ غُلَافَ الْقَلْبِ أَنْ يَتَهَشَّمَا
وَاغْسِلْ ذُنُوبِي في الْجَفَاءِ؛ فِإِنَّنِي
أَزْدَادُ مِنْ حِمْلِ الذُّنُوبِ تَقَزُّمَا
زدْني مِنَ الْوَصْلِ الْجَمِيلِ؛ فَإِنَّمَا
يَخْبُو الْبِعَادُ بِمَا وَصَلْتَ، وَإِنْ نَمَا
لَا لَوْمَ شَانَ الْعَاشِقِينَ بِحُبِّهِمْ
أَبَدًا، وَلَا تَثْرِيبَ طَالَ مُحَطـَّمَا(٢)
فَارْحَمْ دُمُوعَ الْهَائِمِينَ بِصَبِّهِمْ
خَفِّفْ عَلَى قَلْبٍ أَتَاكَ مُسَلِّمَا(٣)
هَيِّــئْ لَنَا قُرْبًا، وَبَاعِدْ فُرْقَةً
تَرَكَتْ لَنَا قَلْبًا فَقِيرًا مُعْدَمَا
رُحْمَاكَ مِنْ بَوْحٍ يُدَانِينَا إِذَا
مَسَّ الْقَلِيلَ بِنَا أَتَاهَ الْـمُعْظَمَا
سُبْحَانَ مَنْ سَوَّى الْعُيُونَ، وَطَرْفَهَا
خَطَّتْ كَلَامًا في الْقُلُوبِ مُنَمْنَمَا(٤)
تَصْحُو ، وَأَبْقَى في الْغَرَامِ مُسَبِّحًا
وَأَظَلُّ في غَفَوَاتِهَا مُتَهَيَّمَا(٥)
وَأَعُودُ في شَغَفِي الْقَدِيمِ مُسَافِرًا
أَبْكِي عَلَى زَمَنِ الشَّتَاتِ تَنَدُّمَا
قَلْبِي، وَرُوحِي في الْبَهَاءِ تَلَاقَيَا
عَجَزَا لِطُولِ الشَّوْقِ أَنْ يَتَكلَّمَا
في الْكَوْكَبِ الدُّرِيِّ فَاضَا أَدْمُعًا
عَطَفَا عَلَى مِشْكَاتِهِ؛ فَتَحَمَّمَا(٦)
وَبِنُورِ وَجْهِكَ في النَّقَاءِ حَوَاهُمَا
كَالطِّفْلِ لَا مَنْجًى لهُ؛ فَتَبَسَّمَا
أَسْرَى بِحُزْنِهِمَا الْبَرِيءِ، وَأَلْفَيَا
مَا فَاضَ مِنْ هَمِّ الْهَوَى؛ فَتَكَتَّمَا(٧)
هَامَا بِوَهْمٍ في الْهُمُومِ، وَهَا هُمَا
هَمَّا بِهَمْسٍ في هَوَاكَ؛ فَهَمْهَمَا
فَضَحَا خَفَائِي في الْهَوَى، فَيَأَسْتُ مِنْ
سَتْرِ الليَالي أَنْ تُخبِّئَ مُغرَمَا
وَيْلٌ لِنَجْوَى الْعَاشِقِينَ، وَسُهْدِهِمْ
هَرَعُوا بِشَوْقٍ في جَلَالِكَ خُدَّمَا
لا يشبعونَ هوًى، وإنْ آتيتُهمْ
رُطَبًا جَنِيًّا، مَرَّ حتَّى تُطْعِمَا(٨)
خَرَّتْ قُلُوبُهُمُ بِحُبِّكَ سُجّدًا
وَحَلَلْتَ في الْقَلْبِ الْـمُريدِ مُعَظَّمَا
قَلْبُ الْـمُسجَّى بِالْحَنِينِ كَأَنَّهُ
قَلْبٌ تَلَقَّى في الصَّبَابَةِ أَسْهُمَا(٩)
يَشْقَى الْـمُعَذَّبُ في الْغَرَامِ بِعِشْقِهِ
مُتَعلِّقًا بِحَبِيبِهِ مُسْتَسْلِمَا
إِنَّ الْغَرَامَ إِذَا اسْتَبَاحَ شُعُورَنَا
وَأَصَابَ قَلْبًا في الضُّلُوعِ، تَحَكَّمَا
أَسَفًا لِأَجْلِ الْغَائِبِينَ بِصَدِّهِمْ
أَسَفًا لَهُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ تَشَرْذُمَا(١٠)
في التِّيهِ، وَالْحَسَرَاتِ أَصْبَحَ قَلْبُهُمْ
مِنْ دُونِ ذِكْرِكَ في الْوَرَى مُتَفَحِّمَا
فَجَعَلْتَ أَغْلَالًا عَلَى أَعْنَاقِهِمْ
وَجَعَلْتَ سَدًّا خَلْفَهَمْ مُسْتَحْكَمَا
وَلَوِ اطَّلَعْتُ عَلَيْهِمُ في بُعْدِهِمْ
لَـمُلِئْتُ رُعْبًا مُشْفِقًا مُتَجَهِّمَا
هَرِمَ الْـمُحِبُّ مِنَ الْبِعَادِ كَأَنَّمَا
هَجَرَ الْهَوَى مُتَحَمِّمًا بِجَهَنَّمَا(١١)
وَحَبَوْتُ مِنْ أَقْصَى الْـمَدِينَةِ مُثقَلًا
رَهَقًا وَأَحْمِلُ في الْعُيُونِ تَوَهُّمَا(١٢)
آنَسْتُ نَارًا في الْفُؤَادِ، وَحُرْقَةً
بِجَوَانِبِـي أَلْقَى الْعَذَابَ مُجَسَّمَا(١٣)
صَبَّ الفراقُ عَلَى الْقُلُوبِ حَمِيمَهُ
وَأَفَاضَ مِنْ سَوْطِ الْعَذَابِ، وَدَمْدَمَا(١٤)
آهٍ عَلَى نَفْسٍ بَدَتْ سَوْءَاتُهَا
أَبْكِي عَلَى خَلَجَاتِهَا مُتَرَحِّمَا(١٥)
فَطَفَقْتُ أَخْصِفُ مِنْ وُرَيْقَاتِ الْهَوَى
مُتَوَلِّيًا لِلظِّلِّ، أَوْ مُتَكَوِّمَا(١٦)
وَكَصَاحِبِ الْحُوتِ احْتَرَقْتُ بِعُزْلَتِي
وَسَلَكْتُ في الظُّلُمَاتِ فَجًّا مُظْلِمَا(١٧)
قَسَتِ الْقُلُوبُ، فَقُلْتُهَا: أَوَلَمْ يَحِنْ
أَوْ يَأْنِ لِلْأَرْوَاحِ أَنْ تَتَقَوَّمَا(١٨)
فَفَرَرْتُ مِنْ شَيْطَانِ وَهْمِي شَاكِيًا
وَبَثَثْتُ حُزْنِي في الْهَوَى مُتَظَلِّمَا
تَاللهِ إِنَّكَ في ضَلَالِكَ غَارِقٌ
غَادِرْنِي، وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا مُرْغَمَا(١٩)
وَأَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ مُوَسْوِسِي
فَاذْهَبْ بَعِيدًا آيِسًا، وَمُرَجَّمَا(٢٠)
يَا لَيْتَني قَدْ مُتُّ قَبْلَ غِوَايَتِي
يَا لَيْتَنِي قَدْ كُنْتُ نَسْيًا أَبْكَمَا(٢١)
وَعَكَفْتُ في الْـمِحْرَابِ أَقْصِدُ خَلْوَتِي
وَدَعَوْتُ وَجْهَكَ مُخْلِصًا مُتَوَسِّمَا
إِنِّي -لـِمَا أَنْزَلْتَ مِنْ عَفْوٍ إِلَى
قَلْبِي -فَقِيرٌ، أَغْنِ قَلْبًا مُعْتِمَا(٢٢)
حَاقَ الْعَذَابُ بِنَا، وَمَاجَ، وَمَسَّنَا
ضُرٌّ، وَأَعْتَزِلُ الْأَحِبَّةَ مَوْسِمَا(٢٣)
بِغَيَابَةِ الْجُبِّ السَّحِيقِ طَغَى الْبُكَ
وَلَـمَسْتُ دَرْبِي بِالذُّنُوبِ مُلَغَّمَا(٢٤)
يَشْفِي الْبُكَاءُ إِذَا سَرَى، وَيَزِيدُنِي
وَجَعًا، وَيَسْكُبُ في الْعُيُونِ تَوَرُّمَا
وَاسْتَرْسَلَتْ عَيْنَايَ في عَبَرَاتِنَا
بَعْضُ الدَّوَاءِ يَفِيضُ جُرْحًا مُؤْلِـمَا
في الْهَمِّ يَسْحَبُنِي تَسَرُّبُ أَدْمُعِي
وَجَرَى حَنِينِي في ظِلَالِكَ، وَارْتَمَى
وَأَتَيْتُ لُطْفَكَ مُسْتَجِيرًا تَائِبًا
كَالطِّفْلِ في طُوفَانِ عَطْفِكَ، وَاحْتَمَى
وَأَملتُ في يَوْمِ الْحِسَابِ شَفَاعَةً
وَتَرُدُّنِي رَدًّا جَمِيلًا قَيِّمَا
المعاني
(٢) شان: عاب، حطّ من، أبدًا: دائمًا، مطلقًا، تثريب: لوم.
(٣) صبّهم: شوقهم، عشقهم الشديد.
(٤) منمنما: مزخرفا، مرقّشا بزخارف صغيرة.
(٥) متهيّما: مدفوع إلى الهُيام.
(٦) دريّك مضيء، متلألأ، مشكاة: حامل أو تجويف المصباح، تحمّما: اغتسلا بالماء.
(٧) أسرى: سيَّر ليلا، ألفيا: صادفا.
(٨) جنيّا: طريّا، طيّبا من غير إفساد، مرّ: كان مُرًّا، خلا من الحلاوة.
(٩) مُسجّى: مغطّى/ مستور.
(١٠) تشرذما: تفرُّقًا بشكل فوضويّ.
(١١) متحمّما: مغتسلا.
(١٢) رهقا: إثمًا، خطيئة.
(١٣) آنست: أبصرتُ.
(١٤) حميمه: قيظه، ماؤه الشديد الحرارة، أفاض: سكب أو أكثر أو توسّع، دمدم: أهلك.
(١٥) سوءاتها: عوراتها، خلجاتها: دواخلها.
(١٦) فطفقت: فشرعتُ، فبدأتُ، أخصف: ألزق، متولّيًا: مُعرضا، مدبرا.
(١٧) صاحب الحوت: سيّدنا يونس عليه السلام، فجّا: طريقًا واسعًا بعيدًا.
(١٨) لم يأن: لم يحِن، تتقوّم: تستقيم وتستوي.
(١٩) مليّا: زمنا طويلا.
(٢٠) آيسا: يائسا، مرجّما: مُلعَّنا.
(٢١) نسيا: ما يُنسى.
(٢٢) أغنِ: اكفِ، اجعله غنيًّا.
(٢٣) حاق: أحاط.
(٢٤) غيابة: قعر، جبّ: بئر.