قصيدة النفس اللوامة

Home » منتدى القصائد » قصيدة النفس اللوامة

عدد أبيات القصيدة

٢٠٠

ذَاقَ قَلْبِي الْسِّحْرَ؛ فَاقْتَرَبَا

مِنْ مَلِيحٍ، وَانْتَشَى طَرِبَا

 

وَقَعَ الْـمَفْتُونُ فِي شَرَكٍ

مِنْ شِبَاكِ الْعِشْقِ، وَانْجَذَبَا

 

مُدْمِنًا خَنَّاقَهُ؛ فَغَوَى

مُذْ خَطَا فِي الْعِشْقِ، وَاعْتَتَبَا(١)

 

وَالْتَقَى فِي لَيْلِهِ قَمَرًا

فَاتِنَ الْإِبْلَاجِ مُنْتَخَبَا(٢)

 

بَدْرَ تَمٍّ رَافِهًا غَنِجًا

وَيُرِي مَنْ يَنْظُرُ العَجَبَا(٣)

 

بَاطِشًا بِالْـمُسْتَهَامِ إِذَا

سَلَّ سَيْفَ الْحُسْنِ، وَاهْتَلَبَا(٤)

 

كَمْ مَلَاكٍ سِحْرُهُ فِتَنٌ

تَسْتَفِزُّ الْعَاشِقَ الْحَدِبَا!(٥)

 

عَجَبًا للهِ دَرُّكَ يَا

قَلْبَ طِفْلٍ لِلْجَمَالِ صَبَا!(٦)

 

فَاسْتَحَارَ النَّبْضُ مُرْتَعِدًا

وَأَثَارَ الْهَرْجَ، وَالشَّغَبَا(٧)

 

وَاسْتَلَذَّ الْعِشْقَ مِنْ مَلَكٍ

فِي السَّمَا قَدْ كَشَّفَ الْحُجُبَا

 

فَعُرُوجًا قَدْ سَمَا لِسَنَا

وَأَرَادَ الْقُرْبَ، وَاطَّلَبَا

 

وَتَغَاوَى بِالْحَنِينِ عَلَى

نَاعِمٍ يَسْتَمْهِدُ السُّحُبَا(٨)

 

وَجَدَا مَحْبُوبَهُ خَجِلًا

وَرْدَةً مِنْ طَيِّبَاتِ رُبَى(٩)

 

وَدَنَا مِنْ حَوْضِ فِتْنَتِهِ

وَفَمُ الْعَيْمَانِ قَدْ شَرِبَا(١٠)

 

عَجَبًا لِلَّهِ حُسْنُكَ يَا

يُوسُفِيًّا عِشْقُهُ وَجَبَا!(١١)

 

يَا مُلِيمًا كَيْفَ تَعْتُبُهُ

دُونَمَا أَنْ تَعْرِفَ السَّبَبَا؟

 

ذَاكَ قَلْبِي عِشْقُهُ مَرَضٌ

كَبْوَةٌ فِيهَا الْجَوَادُ كَبَا(١٢)

 

مَرَضٌ بِالْعِشْقِ لَذَّ لَهُ

عَنْ حَيَاةٍ قَدْ تَضِيعُ هَبَا(١٣)

 

مَرضٌ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ

بَلْ غَدَا لِلْعَالَـمِينَ وَبَا(١٤)

 

أَيُلَامُ الْقَلْبُ في مَرَضٍ

كَلَهِيبِ النَّارِ إِنْ نَشِبَا؟!

 

مَا عَلَى أَهْلِ الْهَوى حَرَجٌ

دَاؤهُمْ لَا يَقْتَضِي الْعَتَبَا(١٥)

 

أَيُلَامُ الْقَلْبُ وَقْتَ بَدَا

كَصَبِيٍّ لِلْحُلُوِّ حَبَا؟!(١٦)

 

إِنَّهُ، لَـمَّا رَأَى مَلَكًا

آمِرًا، لَـمَّا يَكُنْ هَرِبَا(١٧)

 

قَدْ تَرَبَّى الْقَلْبُ مِنْهُ مَدًى

وَعَلَى أَهْوَالِهِ دَرِبَا(١٨)

 

قَلْبُ طِفْلٍ ذَابَ فِي قَمَرٍ

كَانَ لِلْإِغْوَاءِ مُرْتَكِبَا

 

وَجَلَالُ الْبَدْرِ أَبَلَجَهُ

وَهَجًا لَوْ نَاءَ عَنْهُ خَبَا(١٩)

 

وَنَمَا شَوْقٌ لِعلْمِ هَوًى

فَتَصَدَّى مُنْذِرًا، وَأَبَى

 

حَذَّرَ الْـمَغْرُومَ مِنْ فِتَنٍ

وَجَوًى إِنْ ظَلَّ مُجْتَذَبَا

 

وَالْتَقَى آلُ الْهَوَى بِهَوًى

كَيْ يُذِيقُوَا مُهْجَتِي الخُطَبَا

 

أَوْعَدُونِي الْهَمَّ عَاقِبَةً

لَمْ يَزَلْ إِيعَادُهُمْ حَدَبَا(٢٠)

 

أَوْعَدُوا قَلْبِي مُكَابَدَةً

وَالْأَسَى بَعْدَ الْأَسَى عُقُبَا(٢١)

 

فَتَأَبَّى الْقَلْبُ مَوْعِظَةً

وَانْزَوَى في السِّحْرِ مُسْتَلَبَا(٢٢)

 

في مَدَارَاتِ الْهُيَامِ سَعَى

وَانْتَهَى كَالنَّجْمِ مُضْطَرِبَا

 

وَمَدَى دَهْرٍ مَشَاعِرُهُ

في اتِّقَادٍ مَا اشْتَكَى لَهَبَا

 

أَيُلَامُ الْقَلْبُ أَجْلَ نَدًى

ذَوَّقَ الْعُشَّاقَ كَأْسَ صِبَا؟

 

مِنْ غَرَابِيلِ الزُّهُورِ ثَرَا

فَرَّ كَالْأَمْوَاهِ مُنْسَرِبَا(٢٣)

 

فَاحْتَسَى الْـمُشْتَاقُ خَمْرَتَهُ

وَأَدَارَ الْكَأْسَ أَوْ سَهَبَا(٢٤)

 

وَجْهُهُ لَا ذَاقَ مِنْ حَسَدٍ

مَا لَنَا لَا نَمْسِكُ الْخَشَبَا!(٢٥)

 

فِاقَ في حُسْنٍ مَلَائِكَةً

لِنِهَايَاتِ الزُّهَا صُبُبَا(٢٦)

 

جِيدُهُ إِنِّي أَرَى فَرَسًا

عَرَبِيًّا أَعْجَزَ الرَّقَبَا(٢٧)

 

يَنْثَنِي خَصْرُ السَّمَاءِ لَهُ

مَا لَهَا مَا أَكْبَحَتْ لَعِبَا!(٢٨)

 

لَيْتَنَا، قَالَتْ كَوَاكِبُهَا،

لُؤْلُؤٌ مِنْ أَجْلِهِ ثُقِبَا

 

فَمُهُ يَا وَيْلَتِي فَمُهُ

كَرَزٌ أَمْ عَاصِرٌ عِنَبَا؟!

 

أهِ يَا آهَيْنِ مِنْ فَمِهِ

لَهَبٌ لَكِنَّهُ عَذُبَا

 

شَعْرُهُ الْهَفْهَافُ مُشْكِلَةٌ

فَوْحُ عِطْرٍ في الْفَضَاءِ هَبَا(٢٩)

 

شَعْرُهُ يَا قَوْمُ جَنَّنِي

مُجْمَرًا أَوْ مُرْسَلًا خَضِبَا(٣٠)

 

صَوْتُهُ الْخَلَّابُ دُنْدِنَ مَنْ

عَنْدَلِيبٍ مِنْ جَنًى نَغَبَا(٣١)

 

صَوْتُهُ يَا نَاسُ مُفْتَرِسٌ

مُسْتَبِيحٌ بِالْكَلَامِ سَبَى

 

شِعْرُهُ وَيْلِي عَليْهِ إِذَا

حَنَّنَ الْـمُشْتَاقَ فَانْتَحَبَا

 

بَثَّ شِعْرًا نَمْنَمُوهُ عَلَى

كَعْبَةٍ أَوْ زَرْكَشُوا الْكُتُبَا(٣٢)

المعاني

(١) خنّاق: ما يمنع التنفّس، وفي المثل المصري؛ القطّ يحبّ خنّاقه (من يُضيّق عليه)، اعتتبا: سلك وعورة الطريق وترك سهله.

(٢) الإبلاج: الإضاءة، منتخبا: مختارًا.

(٣) بدر تمّ: بدر تمام، غنِجًا: متدلّلًا.

(٤) سلّ، واهتلب: انتزع.

(٥) الحدبا: الرؤوم الرحيم.

(٦) صبا للجمال: تشوّق.

(٧) استحار: حار.

(٨) تغاوى: حام، يستمهد السحبا: يبسطها كفراش.

(٩) جدا: أعطى، ربى: مفردها ربوة.

(١٠) العيمان: العطشان كاللهبان واللهفان والغيمان والهيفان.

(١١) وجب: لزم الأداء.

(١٢) كَبا: بفتح الكاف؛ زلّ وسقط.

(١٣) هبا: هباء.

(١٤) لا يستقلّ به: لا يصيبه فردًا، وبا: وباء.

(١٥) العتب: بتحريك التاء؛ الشدّة.

(١٦) بدا: ظهر، حلوّ: تام الحلاوة.

(١٧) لمّا يكن هربا: لم يكن هربا.

(١٩) أبلجه: سرّه أو أوضحه، خبا: خمد.

(٢٠) إيعادهم: توعّدهم، حدبا: رأفة بي ورحمة.

(٢١) مكابدة: معاناة، عقبا: مفردها عاقبة.

(٢٢) تأبّى: رفض، انزوى: انعزل، مستلبا: فاقدا السيطرة على نفسه.

(٢٣) غرابيل: مفردها غربال، ثرا: نما وكثر، أمواه: مفردها ماء، منسربا: منسابا.

(٢٤) أدار الكأس: وزّعها ونقّلها، سهبا: أخذها وتناولها.

(٢٥) لا ذاق من حسد: لا جعله الله يذوق حسدًا، ما لنا لا نمسك الخشبا: في الثقافة المصرية يقال “امسك الخشب” أثناء مدح شخص أو شيء حتى لا يصيبه الحسد.

(٢٦) لنهايات الزها صببا: الذين يصبّون قمّة ومنتهى جمال الوجه الحسن.

(٢٧) أعجز الرقبا: أعجز باقي رقاب الخيل في منافسته.

(٢٨) أكبحت لعبا: أوقفت اللعب.

(٢٩) الهفهاف: الطائر مع النسمات، هبا: ثار وسطع وفاح.

(٣٠) مجمرا: معقودا وملموما، خضبا: ملوّنا بالخضاب.

(٣١) جنى: شهد، نغب: حسا بمنقاره.

(٣٢) نمنموه: زخرفوه بخطّ جميل ودقيق، زركشوا: زخرفوا بالذهب والفضّة.

تحقق أيضا من

قصيدة الكاميرا الخفية

إنما الشعر ما وخزا