قصيدة اليوسفية

Home » منتدى القصائد » قصيدة اليوسفية

عدد أبيات القصيدة

٣٢٠

تَاهَتْ خُطَايَ، ويَبْكِينِي الأَصَاحِيبُ

كَحَالِ (يُوسُفَ) إِذْ يَبْكِيهِ (يَعْقُوبُ)(١)

 

أَذُوقُ مَا لَمْ يُحِطْ قَلْبِي بِهِ  خَبَرًا

أَفُوقُ في الصَّبْرِ مَا قَدْطَاقَ (أَيُّوبُ)(٢)

 

كُلٌّ (كَيُوسُفَ) في أَحْوَالِهِ تَرِحٌ

يَشْقَى الْكَرِيمُ، ويَلْتَاعُ  (اليَعَاقِيبُ)(٣)

 

إِنَّ الْحَوَادِثَ في الدُّنْيَا مُكَرَّرةٌ

غَدْرُ الطُّغَاةِ عَلَى الأَخْيَارِ مَكْتُوبُ(٤)

 

وَاحَسْرَتَاهُ، وَوَاحَرَّاهُ مِنْ زَمَنٍ

مَنْ لِـي بِنُصْرَةِ قَلْبِي، وَهْوَ مَغْلُوبُ؟

 

قَلْبِي أَسِيرٌ لِأَوْهَامٍ تُسَلِّمُهُ

أَضْغَاثُ رُؤْيَا، وَأَحْلَامِي الْـمَنَادِيبُ(٥)

 

تَنَامُ عَيْني، وَقَلْبي نَابِهٌ هَوِسٌ

يَقْظَانُ يَسْكُنُهُ خُرْفٌ، وَتَسْهِيبُ(٦)

 

ضَاقَ الْفِراشُ، وَلَعْناتٌ تُحاصِرُني

وَمَا لِقَلْبي مِنَ اللَّعْنَاتِ تَطْييبُ(٧)

 

شَرْقًا تُزَمِّلُني غَرْبًا تُدَثِّرُني

يَا بُؤْسَ نَوْمَتِنَا، نَحْنُ الـمَغَالِيبُ(٨)

 

مَنْ لي بِتَأْوِيلِ أَحْلَامٍ مُخَبَّأَةٍ

وَدَمْعُهَا في كُؤوسِ النَّفْسِ مَسْكُوبُ؟

 

أَحْلَامُ قَلْبي الْوَجَاعَى يَسْتَبِدُّ بِهَا

في سَكْرَةِ الْعُمْرِ وَسْوَاسٌ، وَتَقْلِيبُ(٩)

 

إنِّي رَأَيْتُ مِنَ الرُّؤْيا؛ غَرَائِبَهَا

وَحَلَّقَتْ في مَنَامَاتِي الْأَعَاجِيبُ(١٠)

 

فَمَا قَصَصْتُ رُؤَى حُلْمِي عَلَى أَحَدٍ

قَلْبِي الْبَرِيءُ عَلَى الْكِتْمَانِ مَوْجُوبُ(١١)

 

أُخْفِي رَغِيبَةَ نَفْسِي، وَهْي وَاعِيَةٌ

وَمَا لِسِّري مِنَ الْإِسِرَارِ تَهْرِيبُ(١٢)

 

تَخْفَى الْهُمُومُ، وَأَحْيَاءٌ مَوَاجِعُهُا

وَمَا لَهَا غَيْرُ شَطِّ الْحُلْمِ تَسْرِيبُ

 

تَعْوِي الْكَوَابِيسُ في أَحْلَامِنَا، وَلَهَا

في الْبَوْحِ بِالسِّرِّ تَفْوِيضٌ، وَتَنْوِيبُ(١٣)

 

بَعْضُ الذِي يَنْتَهِي تَبْقَى مَآثِرُهُ

لَا سَيَّمَا الْحُلْمُ يَحْيَا، وَهْوَ مَحْجُوبُ(١٤)

 

مَا لي تَخَبَّطْتُ مِنْ مَسٍ، ومِنْ وَلَهٍ

وَمَوْطِني في بِلَادِالْعِشْقِ مَنْكُوبُ؟

 

مَا بَيْنَ هَمٍّ، وَأَفْكَارٍ يُفَجِّرُهَا

مِنْ جَعْبَةِ السِّرِّ تَفْتِيشٌ، وَتَنْقِيبُ(١٥)

 

يَسِيلُ في كُوبِ نَفْسِي مَا يُؤَرِّقُهَا

أَطِيقُ صَبْرًا إِلَى أَنْ يُمْلأَ الْكُوبُ(١٦)

 

حُزْنِي، وَخَوْفي، وَآلَامِي أُخَزِّنهُا

أُهْرِيقُهَا عِنْدَمَا تَعْلُو الْـمَنَاسِيبُ(١٧)

 

الْحُزْنُ مُنْكَشِفٌ، وَالسِّرُّ مُسْتَتِرٌ

وَالْكُوبُ مُمْتَلِئٌ، وَالْـمُرُّ مَصْبُوبُ

 

أَصُبُّ حُزْنِي بِكَأْسِي ثُمَّ أَرْشُفُهُ

كَأْسٌ، وَدَوْرَتُهَا الْـمَصْبُوبُ مَرْضُوبُ(١٨)

 

مَا نِلْتُ في عِيشَتي إِلَّا  مُكَابَدَةً

إِنَّ الْحَيَاةَ ابْتِلَاءَاتٌ، وَتَعْذِيبُ(١٩)

 

مَا نِلْتُ مِنْ حَظِّها إِلَّا مُفَارَقَةً

وَدَرْبُ مَنْ هَامَ بِالْآلَامِ مَصْحُوبُ

 

سُقِيتُ مِنْ سِيرَةِ الدُّنْيَا؛ مَصَائِبِهَا

في الصُّبْحِ مُرْتَجِفٌ، في اللَّيْلِ مَذْءوبُ(٢٠)

 

خَطَا الْغَرَامُ إِلى قَلْبِي؛ فَنَاكَدَنِي

إِنَّ الْغَرَامَ لَإِصْلَاحٌ، وَتَهْذِيبُ(٢١)

 

وَلِعْتُ بِالْعِشْقِ وَهْمًا دُونَ تَجْرِبَةٍ

سَمْعًا بِلَا رُؤْيَةٍ، وَالْقَلْبُ مَطْرُوبُ(٢٢)

 

لَهِجْتُ بِالدَّرْبِ مَغْوِيَّا أَهِيمُ بِهِ

وَأَشْرَبُ الْوَعْدَ تَمْلَاهُ الْأَكَاذِيبُ(٢٣)

 

تَلِهْتُ مِنْ أَثَرِ الأَشْوَاقِ في وَجَعِي

جَرَتْ مِنَ الْعَيْنِ أَنْهَارٌ، وَأُسْكُوبُ(٢٤)

 

تَفِيضُ مِنِّي مَرَاثِي الْعِشْقِ في طَلَلِي

زَرْعِي يَجِفُّ، وَتَبْكِيهِ الْأَسَاكِيبُ(٢٥)

 

لَمْ أَخْلُ كَالْفَارِسِ الـْمَطْعُونِ مِنْ أَثَرٍ

وَنَدْبَةُ الْعِشْقِ بِالْهِجْرَانِ تَشْطِيبُ(٢٦)

 

وَكَمْ أُعَاوِدُ بَعْدَ الْقَتْلِ تَجْرِبَتِي

صُلْبَ الْفُؤَادِ كَأَنَّ الصَّدْعَ مَرْءُوبُ(٢٧)

 

أَنْشَأْتُ حَائِطَ صَدِّي  مِنْ مُبَاعَدَتِي

كَيْ  لَا يُصِيبَ رَفِيقَ الْحِرْصِ مَكْرُوبُ(٢٨)

 

أُصَاحِبُ النَّأْيَ في عِشْقِي يُرَافِقُني

حَالَ الْـمَخَاطِرِ إِبْعَادٌ، وَتَجْنِيبُ(٢٩)

 

غَلَّبْتُ نَفْعَ الذي أَدْمَى القُلُوبَ عَلَى

ضُرِّ الْعَلَاجِ، وَقَوَّى الْبُعْدَ  تَغْلِيبُ(٣٠)

 

يَا مَانِعَ الْعِشْقِ عَنْ قَلْبٍ لِتَعْصِمَهُ

مَا نَفْعُ مَنْعِكَ، وَالْـمَمْنُوعُ مَرْغُوبُ؟

 

إِنَّ النُّفوسَ ضِعَافٌ في رَغَائِبِـهَا

مَهْمَا مَنَعْتَ فَفِي الْحِرْمَانِ تَقْرِيبُ(٣١)

 

حَرَّمْتُ عِشْقِي عَلَى قَلْبِي أُحَصِّنُهُ

فَاشْتَدَّ عِشْقًا، وَصَابَ الْقَلْبَ تَخْرِيبُ(٣٢)

 

أَخْطُو بِخَوْفٍ مِنَ الْأَشْوَاقِ في حَذَرٍ

يَحِلُّ بِي فَزَعٌ، وَالْقَلْبُ مَرْعُوبُ

 

كَمْ مِنْ قُلُوبٍ بِرَيْعانِ الْفِرَاقِ بَكَتْ

دَمًا، وَقَلَّبَها بُعْدٌ، وَتَغْييبُ(٣٣)

 

فَلَا يُبَرِّدُ بُعْدٌ قَلْبَ مُعْتَلِقٍ

وَإِنَّمَا الْقَلْبُ لِلْمَفْقُودِ مَسْلُوبُ(٣٤)

 

يَا وَيْحَ أَهْلِ الْهَوَى عَاشُوا، وَمُنْيَتُهُمْ

في الْعِشْقِ  كَاذِبَةٌ، وَالْوَعْدُ مَكْذُوبُ(٣٥)

 

مَا يُوعَدُون بِهِ وَهْمٌ، وَأُمْنِيَةٌ

كَأَنَّمَا وَعَدَ الْعُشَّاقَ (عُرْقُوبُ)(٣٦)

 

يَا طَالِبَ الْعِشْقِ مَوْتُكَ في دُرُوبِ هَوًى

يُبَادُ طَالِبُهُ إِنْ عَزَّ مَطْلُوبُ(٣٧)

 

لَمْ يَبْقَ حَالٌ بِهِ الْـمَغْرُومُ مُبْتَهِجٌ

نَشْجَى بِفَرْحَتِنَا، وَالْوَضْعُ مَقْلُوبُ(٣٨)

 

لَمْ يَبْقَ عِشْقٌ عَلَى أَحْوَالِهِ أَبَدًا

وَعَيْشُنا الضَّنْكُ في الْأَمْثَالِ مَضْرُوبُ(٣٩)

 

وَفِي مُرُورِ الليَالِي جَمُّ تَنْسِيَةٍ

لِذِي ابْتِلاءٍ، وَفي الْأَيَّامِ تَطْبِيبُ(٤٠)

 

لَا يَنْضَجُ الْقَلْبُ في مِشْوَارِ صَبْوَتِهِ

حَتَّى يُخَضْرِمَهُ  بَأْسٌ، وَتَجْرِيبُ(٤١)

 

وَأَحْمَدُ اللهَ في ضِيقٍ، وَفي فَرَجٍ

للهِ في أَمْرِنا شَأْنٌ، وَتَرْتِيبُ

المعاني

(١) أصاحيب: مفردها صاحب، يوسف: سيدنا يوسف عليه السلام، يعقوب: سيدنا يعقوب عليه السلام.

(٢) ما لم يحط قلبي به خبرا: ما لم يعرفه قلبي، أفوق في الصبر: أتفوّق في الصبر، طاق: احتمل، أيوب: سيدنا أيوب عليه السلام..

(٣) ترح: مُعَذَّب، يشقى: يتعذّب، يلتاع: يحترق قلبهم من اللوعة والشوق، اليعاقيب: مفردها يعقوب: (النبيّ).

(٤) الأخْيار: هم ذوو الخير.

(٥) أضغاث: مفردها ضغث؛ أضغاث رؤيا: رؤى متداخلة مضطربة يصعب تأويلها، المناديب: مفردها مندوب؛ أحلامي المناديب التي تسلم قلبي للأوهام لتأسره.

(٦) نابه: فطن متيقّظ= يقظان، هوس: مصاب بالهوس، تسهيب: الجنون وذهاب العقل.

(٧) تطييب: تهدئة روعي ولها معان أخرى (تعطير، غناء الأم لطفلها، تتبيل الطعام).

(٨) تزمّلني: تغطّيني بالغطاء، تدثّرني: تلفّني بالدثار، المغاليب: مفردها المغلوب؛ المغاليب على أمرنا.

(٩) الوجاعى: الموجعات، سكرة: غمرة وشدّة، وسواس: صوت خفيّ، تقليب: اضطراب وهتزاز.

(١٠) غرائب: مفردها غريبة، منامات: مفردها منام، أعاجيب: مفردها أعجوبة.

(١١) موجوب: موجوب عليه: لازم عليه أن يكتمها.

(١٢) رغيبة: ما ترغبه (العطيّة التي تتمناها)، الإسرار: الإخفاء والكتمان.

(١٣) تنويب: تفويض جعل النوبة في البوح بالسر للسان.

(١٤) مآثره: مكارمه وأعماله.  

(١٥) جعبة: وعاء النبال؛ جعبة السرّ: النفس ومكنون ما تحمله من أسرار.

(١٦) يؤرّقها: يقلقها ويطير النوم من عينيها، أطيق: أحتمل. 

(١٧) أهريقها: أصبّها.

(١٨) مرضوب: مرشوف.

(١٩) مكابدة: تحت أهوال ومشاقّ.

(٢٠) مذءوب: مصاب بالعواء كالذئب.

(٢١) خطا: مشى، ناكدني: جعلني أعيش في نكد وضيق وهَمٍّ.

(٢٢) سمعا بلا رؤية: سماعا، مطروب: منتشٍ من الفرح.

(٢٣) لهجت: أولعت به؛ أحببته بشدّة، مغويًّا: واقعا تحت الإغواء، تملاه: تملأه.

(٢٤) تلهت: ذهب عقلي ولعًا، أسكوب: المطر الدائم.

(٢٥) طللي: الرسم والأثر المتبقي من عشقي، أساكيب: الأمطار الدائمة.

(٢٦) لم أخلُ من: لم أفتقر إلى، تشطيب: ترك أثر “تقطيع وتشريح”.

(٢٧) صلب الفؤاد: قوي القلب، مرءوب: مُصلَح ومعالَج.

(٢٨) حائط صدّي: جدار حمايتي، مباعدتي: إمعاني في البعد، رفيق الحرص: شديد الحرص، مكروب: مكروه.

(٢٩) حال المخاطر: وقت وأوان المخاطر، تجنيب: توقية وحماية وصون.

(٣٠) الذي أدمى القلوب: البعد الدامي، ضر العلاج: أضرار القرب، تغليب: ترجيح.

(٣١) رغائبها: مفردها رغيبة: ما ترغبه النفس.

(٣٢) صاب القلبَ تخريب: أصيب بخراب.

(٣٣) ريعان الفراق: وقت نموه.

(٣٤) معتلق: شديد العشق.

(٣٥) يا ويح أهل الهوى: يا ويلهم، منيتهم: أمنيّتهم، الوعد مكذوب: كذب.

(٣٦) عرقوب: أكذب أهل زمانه وأخلفهم وعدا عند العرب قديما (وملّ من وعده الممطال عرقوبُ “غازي القصيبي”)، ولها معان أخرى.

(٣٧) عزّ مطلوب: تمنّع ما يُطلَب.

(٣٨) نشجى: نحزن.

(٣٩) عيشنا الضنك: المرير.

(٤٠) جمّ تنسية: كثير من التنسية، تطبيب: معالجة.

(٤١) صبوته: أوج لهوه وشوقه.

تحقق أيضا من

قصيدة الكاميرا الخفية

إنما الشعر ما وخزا