عدد أبيات القصيدة
شَالَتْ وُجُودَ الْحُبِّ مِنْ حُسْبَانِهَا
إِنَّ الأُمُورَ تَلُوحُ مِنْ عُنْوَانِهَا(١)
غَابَتْ عَلَيَّ، وَلَا اتِّصَالَ، وَسَافَرَتْ
وَكَأَنَّهَا تَرْتَاحُ مِنْ سَجَّانِهَا
وَأَنَا عَلَى الْحُزْنِ الْوَفيِّ مُدَاوِمٌ
وَيَتُوقُ قَلْبِي دَائِمًا لِـمَكَانِهَا
وَأَضِيعُ في الْأَحْزَانِ أَشْكُو غُرْبَتِي
حَتَّى الدُّمُوعُ تَئِنُّ مِنْ أَحْزَانِهَا
أَمْضِي أَنَا نَحْوَ الْجُنُونِ بِعِشْقِهَا
وَأَدُورُ في الْأَفْلَاكِ في أَكْوَانِهَا
وَأَمُوتُ رَغْمَ إِرَادَتِي في حُبِّـهَا
زَادَتْ جُيوشُ الْحُبِّ مِنْ عُمْيَانِـهَا
وَوَقَعْتُ في أَسْرِ الْحَنِينِ مُتيَّمًا
كَيْفَ الْهُرُوبُ الْيَوْمَ مِنْ سُلْطَانِهَا
وَخُلَاصَةُ الْـمَأْسَاةِ في هَذَا الْهَوَى
أَنَّ الْخِدَاعَ يُطِلُّ مِنْ أَحْضَانِهَا
عَاشَتْ عَلَيَّ الدُّوْرَ حَتَّى يَوْمِنَا
وَكَأنَّنِي الْـمَوْعُودُ مِنْ فُرْسَانِهَا
وَاسْتَعْمَرَتْ قَلْبِي بِكُلِّ بَرَاءَةٍ
وَالْغَدْرُ، وَالْإِهْمَالُ مِنْ أَعْوَانِهَا
وَتَسَرَّبَتْ مِثْلَ الـْمُخَدِّرِ في دَمِي
عَانَيْتُ كَمْ عَانَيْتُ مِنْ إِدْمَانِهَا
هِيَ تَسْتَحِقُّ عَلَى الْخَدِيعَـةِ قُبْلَةً
وَتَنَالُ جَائِزَةً عَلَى إِتْقَانِهَا
وَصَلَتْ لِـمَرْحَلَةِ احْتِرَافٍ مُذْهِلٍ
وَتَفَوَّقَتْ دَوْمًا عَلَى أَقْرَانِهَا
تَبْكِي الطُّيُورُ مِنَ الْحَنِينِ لِعُشِّهَا
وَحَبِيبَتِي ثَارَتْ عَلَى أَغْصَانِهَا
تَخْشَى الْعَصَافِيرُ احْتِمَالَ فِرَاقِهَا
تَعَبُ الْغِيَابِ يَدُومُ في أَفْنَانِهَا(٢)
أَبْكِي كَمَا تَبْكِي السَّمَـاءُ، وَدَمْعَتِي
مِثْلَ (التِّسُونَامِي) عَلَى شُطْآنِهَا(٣)
أَخْطَأْتُ حِينَ وَقَعْتُ بَيْنَ شِبَـاكِهَا
وَأَخَذْتُ دِينَ الْحُبِّ عَنْ أَوْثَانِهَا
قَدَّمْتْ فَوْقَ تَحَمُّلِي لِعُيُونِهَا
كَذَبِيحَةِ الْأَعْيَادِ في قُرْبَانِهَا
وَنَسِيتُ طَعْمَ الْغَدْرِ نَحْوَ مَشَاعِرِي
وَتَمَسَّكَتْ رُوحِي بِحِضْنِ أَمَانِهَا
وَنَسِيتُ حِقْدِي في الْغِيَابِ، وَظُلْمَهَا
وَمَرَارَةَ الْآلَامِ في طُغْيَانِهَا
وَنَسِيتُ حِينَ تُعِيدُنِي الذِّكْرَى لَهَـا
لِصَبَاحِ بَسْمَتِهَا عَلَى أَسْنَانِهَا
وَأَعُودُ لِلسِّجْنِ الـْمُفَضَّلِ أَرْتَمِي
كَالطِّفْلِ نَحْوَ الدِّفْءِ في سِيقَانِهَا
وَرَجَعْتُ مَا أَحْلَى الرُّجُوعَ لِـمَوْطِنِي
لِأَعِيشَ مِثْلَ النَّبْضِ في شِرْيَانِهَا
وَأَذُوبُ في أَوْهَامِ أَقْوَى نَزْوَةٍ
وَتَفُوحُ ذِكْرَى الْحُبِّ مِنْ أَرْدَانِهَا(٤)
وَيَشُدُّنِي الْإِغْرَاءُ في كَلِمَاتِهَا
وَالْوَرْدُ مَشْدُودٌ إِلَى فُسْتَانِهَا
أَمْشِي كَمَا الطِّفْلِ الْـمُطِيعِ بِمَوكِبِي
في ظِلِّهَا، وَأَسِيرُ في رُكْبَانِهَا
وَأُكَرِّرُ الْـمَأْسَاةَ رَغْمَ جَفَائِنَا
وَأُعَاوِدُ الْإِبْحَارَ في طُوفَانِهَا
تَرْسُو عَلَى شَطِّ الْحَنِينِ مَرَاكِبِي
وَتَحِنُّ أَشْرِعَتِي إِلَى خُلْجَانِهَا
تَاهَتْ بِمِينَاءِ الْغَرَامِ سَفِينَتِي
فَرَّتْ لِهَذَا الْبُعْدِ مِنْ قُبْطَانِهَا
وَأَقُولُ في سِرِّي، وَقَلْبِي كَاذِبٌ
سَتَعُودُ ثَانِيةً إِلَى رُبَّانِهَا
كَمْ مِنْ طُيُورٍ رَغْمَ طُولِ غِيَابِهَا
عَادَتْ مِنَ الْـمَنْفَى إِلَى أَوْطَانِهَا
بِالْحُزْنِ أَحْكُمُ دَوْلَتِي، وَمَمَالِكِي
وَأَرَى الْبُكَاءَ يَعِيشُ في أَرْكَانِهَا
تَحْتَ الْحِصَارِ هَنَا تَمُوجُ مَدِينَتِي
بِهُمُومِهَا، وَالْقَلْبُ مِنْ سُكَّانِهَا(٥)
وَتَحَرَّقَتْ أَرْضُ الْوِصَالِ، وَهَاجَرَتْ
كُلُّ الطُّيُورِ تَهُجُّ مِنْ عُمْرَانِهَا(٦)
وَالدِّفْءُ يَبْعُدُ عَنْ حُقُولِ مَحَبَّتِي
وَتَوَغَّلَ الْإِعْصَارُ في غِيطَانِهَا
جَفَّتْ مَنَابِعُ حُبِّنَا، وَمِياهُهَا
وَتَرَاجَعَ الْـمَخْزُونُ في خَزَّانِهَا
وَالْـمَوْجُ يَصْرُخُ مِنْ أَنِينِي غَاضِبًا
تَخْلُو بِحَارُ الْعِشْقِ مِنْ مُرْجَانِهَا
قَلْبِي بِمِقْدَارِ الرِّمَالِ يُحِبُّهَا
وَتَمَدُّدِ الصَّحْرَاءِ أَوْ كُثْبَانِهَا
لَا تَنْتَهِي عِنْدِي مَوَاسِمُ حُبِّـهَا
لَا تَسْتَقيلُ الْأَرْضُ مِنْ دَوَرَانِهَا
وَبِحَجْمِ إِحْسَاسِي كَرِهْتُ جُحُودَهَا
هَلْ يَا تُرَى أَقْوَى عَلَى عِصْيَانِهَا؟
وَعَجِبْتُ مِنْ هَذَا الْوَفَاءِ لِعَهْدِهَا
هَلْ يَا تُرَى أَقْوَى عَلَى نِسْيَانِهَا؟
لَا يَسْتَطِيعُ الـْمَوْتُ وَقْفَ مَحَبَّتِي
تَحْتَ التُّرَابِ أَذُوبُ في أَكْفَانِهَا
ويَضِيعُ جُثْمَانِي، وَيَبْقَى هَارِبًا
مُتَخَفِّيًا بِالْقُرْبِ مِنْ جُثْمَانِهَا
أَتَلَمَّسُ الْأَعْذَارَ عِنْدَ غِيَابِهَا
وَأَعِيشُ في الدُّنْيَا صَرِيعَ حَنَانِهَا
وَأُبَرِّرُ الْأَوْجَاعَ مِنْ حُبِّي لَهَا
وَأُهُوِّنُ الْإِجْرَامَ في عُدْوَانِهَا
وَأَقُولُ: (ضَحَّتْ في الْغَرَامِ، وَدَائِمًا
بَذَلَتْ لِأْجْلِ الْحُبِّ مِنْ إِمْكَانِهَا
وَتَكُونُ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ بَرِيئَةً
كَبَرَاءَةِ الْجَنَّاتِ في وِلْدَانِهَا)
قَدَّمْتُ لِلْعُشَّاقِ أَسْوَأَ قُدْوَةٍ
لِكَرَامَتِي، وَالنَّفْسِ في إِذْعَانِهَا
وَأَضِيعُ مِنْ جُرْحِي الْعَمِيقِ، وَوِجْهَتِي
نَحْوَ الْهُرُوبِ أَفِرُّ مِنْ نِيرَانِهَا
أَنْوِي الرَّحِيلَ، وَفِي بِدَايَةِ رحْلَتِي
تَنْسَاقُ أَقْدَامِي إِلَى أَفْدَانِهَا(٧)
المعاني
(٢) أفنان: مفردها فنن: الغصن المستقيم من الشجرة.
(٣) تسونامي: مجموعة من الأمواج العاتية تنشأ من تحرك المياه أو الزلازل أو البراكين أو انفجارات الأسلحة النووية في البحار. ونتيجة لذلك تكون آثار التسونامي مدمرة(ويكيبيديا).
(٤) أردان: مفردها ردن: كمّ، مدخل اليدّ ومخرجها من الثوب.
(٥) تموج: تضطرب، تدور، تغلي.
(٦) تهجّ: تفرّ. (٧) أفدان: مفردها فدن: قصر.