عدد أبيات القصيدة
بِغَيْرِ البُكَا كَيْفَ احْتِمَالُ الْهَوَى كَيْفَا
إِذَا كانَ تَقْتِيلي لَدَى قَلْبِهَا كَيْفَا
بَكَيْتُ على قَلْبي الذَّلِيلِ بِحُبِّها
وَكَمْ جُدْتُ بِالدَّمْعِ السَّكُوبِ لَهَا ذَرْفَا
أَعِيشُ عَلَى الذِّكْرَى، وَأُخْفِي صَبَابَتي
تَعِيسًا، وَأَخْفَيْتُ الذي في الْأَسَى يَخْفَى
إِذا مَا أَتَى الحَسْنَاءَ أَيُّ مُتَيَّمٍ
يَذُوقُ عَذَابَ الْعِشْقِ مِنْ سِحْرِها ضِعْفَا
إِذَا مَا اخْتَفَتْ مِنْ يَوْمِهِ مَاتَ قَلْبُهُ
إِذَا مَا رَآها اهْتَلَّ، مِنْ صُبْحِهَا اسْتَكْفَى(١)
فَلَا تَبْتَئِسْ يَا لَائِمِي إِنْ تَرَقْرَقَتْ
عُيُوني لَهَا، وَاغْرَوْرَقَتْ أَوْ هَمَتْ طَرْفَا(٢)
أَمَا قَدْ رَأَيْتَ الْقَلْبَ بَثَّ تَضُرُّعًا
رَسَائِلَ مِنْ شِعْري، وَمَدَّ لَهَا كَفَّا
أَمَا قَدْ بَصُرتَ الدَّمْعَ مِثْليَ عَاشِقًا
يَهيمُ كَمَجْذُوبٍ عَلَى وَجْهِهِ، يَحْفَى(٣)
بِقَلْبٍ أَتَى نِصْفٌ يُسَلِّمُ رَايَةً
فَتَسْبي خِلَافَ النِّصْفِ مِنْ قَلْبِهِ نِصْفَا
تَغِيبُ عَلَى قَلْبي، قَسِيٌّ فِرَاقُهَا
يُبكِّي قُلُوبَ الْعَاشِقينَ، وَمَا كَفَّا
قُلوبٌ لَهَا نَارٌ إِذَا نَضَجَتْ بِهَا
غِلَالَاتُهَا قَدْ أُبْدِلَتْ في الْجَوَى أَلْفَا(٤)
وَدَمعٍ كَسِيلٍ مِنْ رَصاصٍ هَنِينُهُ
هَطَولٌ هَمَولٌ لِلشَّرَايينِ قَدْ صَفَّى(٥)
فيَا عاشِقَ الْحَوْراءِ عِشْقُكَ مُهْلِكٌ
مَصِيرُكَ أَنْ تَلْقَى بِهِ مُجْبَرًا حَتْفَا
وَيَا لَيْتَ مَوْتي حَتْفُ أَنْفٍ فُجَاءَةً
وَلَكِنَّهَا اخْتَارَتْ هُنَا مَوْتَتي نَسْفَا(٦)
وَعَنْ سَبْقِ عَمْدٍ ذَبَّحَتْني عَشِيَّةً
وَسَنَّتْ بِإِصْبَاحٍ شَفَا خَدِّها رَهْفَا(٧)
خَرِيدَةُ قَلْبٍ في الْغَرامِ حَيِيَّةٌ
أُبِيحُ لَهَا نَحْرِي، وَأُحْمي لَهَا السَّيْفَا(٨)
لنَا اللهُ، لَا الْـمَذْبوحُ مُنعَتِقَ الْهَوَى
وَلَا خِلْتُ ذَبَّاحًا مِنَ الذَّبْحِ قَدْ خَفَّا(٩)
وَأَسْأَلُ عَنْها كُلَّ وَقْتٍ بِبُعْدِهَا
وَهَمُّ ابْتِئَاسِي صَارَ في حُبِّنا عُرْفَا
تَهُبُّ بِذِكْرَاهَا عَلَيْنَا، وَأَرسَلَتْ
شَمَالًا هَبُوبًا صَرْصَرًا عَصَفَتْ عَصْفَا(١٠)
تَصُبُّ عَلَى تِيهِ الْقُلُوبِ حَمِيمَهَا
تُتِيهُ، وَوَهْمُ الْحُبِّ في الرَّأْسِ قَدْ لَفَّا
تَرَى دَمْعَتِي تَشْكو إلَيْهَا جُحُودَها
بِسَيْلٍ جِحَافٍ مَا ارْعَوَتْ، وَارْتَضَتْ جَحْفا(١١)
تَمُرُّ فُصُولُ الْبُعْدِ طَالَ فِرَاقُهَا
أَنَسْتَنْظِرُ الْإشْتاءَ أَمْ نَرْصدُ الصَّيْفَا(١٢)
ذبُلْتُ هُيَامًا في الْغِيابِ، وَدَمْعَتِي
تُبلِّلُ قَلْبًا مِنْ جَفَا الْبُعْدِ قَدْ جَفَّا(١٣)
وَلَوْ عَرَفَتْ مَعْنَى الذُّبُولِ بِعَاشِقٍ
لَـمَا اسْتَخْسَرَتْ مَرْوىً، وَلَا مَنَّعَتْ وَرْفَا(١٤)
وهَلْ عِنْدَها قَلْبٌ يَحُسُّ بِحُرقَتي
ولَوْعَةُ قَلْبي، هَلْ تَرَثَّتْ بِهَا رَأْفَا؟(١٥)
تَمَاديْتُ في عِشْقي لِنَيْلِ وِصَالِهَا
وَلَكِنَّها اخْتارَتْ مَدَى نَأْيِهَا حِلْفَا(١٦)
وَرَغْمَ اِكْتِرابي في هَوَاهَا، وَحِيرَتي
أَبَانَتْ لَنَا زُهْدًا، وَإِحْساسُهَا عَفَّا(١٧)
وَأَحْمِلُ في قَلْبي الشَّغُوفِ بِقَلْبِهَا
سَكَانَةَ يُتْمٍ لَوْ دَرَتْ لَانثَنَتْ عَطْفَا(١٨)
وَلَوْ خُبِّرَتْ عَنْ حَالِنَا في غِيَابِهَا
لَفَاضَتْ، وَسَحَّتْ عَيْنُهَا بِالْبُكا نَزْفا
تَتُوهُ دُمُوعي لَوْ تَوَارَتْ، هُرُوبُهَا
كَتِيهِ سَرُوبٍ في صَحَارَى الْهَوَى اسْتَخْفَى(١٩)
فَيَا صاحِبَ الْقَلْبِ الْـمُطِيعِ لِقَلْبِها
تَغَزَّلْ بِهَا، وَانْقُشْ بِوِجْدَانِهَا حَرْفَا
وَيَا شِعْرَنَا الْبَاكِي تَوَجَّعْ لِصَدِّها
وَزِدْني شَجىً، أَرْسِلْ لَهَا شَجْوَنَا عَزْفَا
لَعَلَّ الْأَسى في جُرْحِ قَلْبِ مُتَيَّمٍ
يُفَرِّجُ هَمًّا أَوْ يُقَرِّبُهَا زُلْفَى
وَتَسْتَأْنِسُ الْإفْصاحَ مِنْ قَلْبِ عَاشِقٍ
يُؤَانِسُهَا عِشْقًا، وَتَحسَبَهُ إِلْفَا(٢٠)
وَتَرفَعُ ظُلْمَ الْبُعْدِ عَنْكَ، وَتَتَّقي
إِلَٰهَكَ في قَلْبٍ عَلَى مَوْتِهِ أَشْفَى(٢١)
أُغَازِلُهَا بِالشِّعْرِ أَسْقِي شُعُورَهَا
هَوًى، عَلَّهَا بِالْبَوْحِ مِنْ قَتْلِنَا تُشْفَى
وَتُبْصِرُ مِنْ عِشْقِي بَصِيصًا، وَرُبَّمَا
تُلَامِسُ قَدْرًا هَيِّنًا أَوْ تَرَى طَيْفَا
وَتَسْأَلُ عَنِّي لَوْ خَطَرْتُ ببَالِهَا
تُزَمِّلُنِي حُبًّا إِذَا أَكْتَسِي رَجْفَا
وَمَا حَاجَةُ الْـمُلْتَاعِ غَيْرُ حَبِيبَةٍ
تُحَوِّطُ في رِفْقٍ عَلَيْهِ إِذَا اسْتَدْفَا(٢٢)
تُعَاتِبُني نَفْسِي عَلَى وَلَعي بِهَا
وتَحسَبُ صَمْتي، وَافْتِتَاني بِهَا ضَعْفَا
تَقُولُ: (مَتَى يَا تابِعَ الدَّمْعِ تَنْتَهِي
مَتَى تَكْتَفِي مِنْهَا؟)، أَقُولُ لَهَا: (سَوْفَا)
كَذَبْتُ؛ أَنَا في حَضْرَةِ الْعشْقِ نَازِحٌ
إِلَيْهَا إِذَا مَا تُهْتُ عُدْتُ لَهَا زَحْفَا
وَقُلْتُ لـِمَنْ لَامَتْ: (أَلَا حَبَّذا إِذَا
أَضَافَتْ لِأَصْنَافِ الْبُكا في النَّوَى صِنْفَا
فَجُرْحٌ يُدَانِينِي لِسِيرَةِ حُبِّهَا
عَذابٌ شَهِيٌّ بَلْ نَسِيمُ الصَّبَا هَفَّا(٢٣)
وَقَلْبِي إِذَا هَلَّتْ عَلَيْهِ بِحُسْنِهَا
يَحُفُّ كَصُوفيٍّ بِهَا، يَضْرِبُ الدُّفَّا(٢٤)
دَعِينِي، وَشَأْنِي في ابْتِهالٍ لَهَا؛ أَنَا
أُغَنِّي كَعُصْفُورٍ غِنَاءً بِهِ رَفَّا(٢٥)
لِتَبْصَرَ إِحْسَاسِي الْخَجُولَ، وَحَقُّهَا
إِذَا مَا تَحَرَّتْ أَنْ تَراهُ، وَتَشْتَفَّا(٢٦)
وَمَا تُهْمَةُ الْقَلْبِ الْوَفِيِّ لَهَا إِذَا
رَجَى أَنْ يَذُوقَ الْعِشْقَ مِنْ قَلْبِهَا رَشْفَا؟)
وَلَا شَـيْءَ يُنْسِيني جَمَالَ عُيُونِهَا
فَمَا زِلْتُ أُسْقَى مِنْ شَذَا حُسْنِهَا صِرْفَا
تَوَلَّعْتُ عِشْقًا، وَاعْتَلَقْتُ بِقَلْبِهَا
وَمَنْ قَطَعَ الْوَعْدَ الْجَمِيلَ لَهَا أَوْفَى
المعاني
(٢) اغرورقت: امتلأت دمعًا، همت: صبّت دمعًا، طرفا: عينا.
(٣) يحفى: يكثر مشيه ويرق قدمه من كثرة المشي.
(٤) غلالات: مفردها غلالة وهي الغشاء الرقيق.
(٥) ودمعٍ: وربَّ دمعٍ، هنينه: صوت البكاء وحنينه. رصاص: حشوة البنادق، هطول: الهطول الكثير، همول: الكثير الهمول.
(٦) حتْف أنف: موت فجأة.
(٧) شفا: حرف، رهفا: سَنَّا وترقيقًا.
(٨) خريدة: عذراء ولؤلؤة مكنونة، أحمى: أسخن.
(٩) خفَّا: شُفِيَ.
(١٠) شمالًا: ريح شَماليَّة.
(١١) سيل جحاف: جارف، ارعوت: كفَّتْ وامتنعت، جحفا: ظلمًا وجورًا.
(١٢) نرصد: ننتظر.
(١٣) جفا البعد: جفاء البعد.
(١٤) مروى: ما يسقي الزرع، ورفا: نضور الزرع والشجر.
(١٥) رأفا: رحمة وشفقة.
(١٦) حلفا: تعاهدًا، واتِّفاقًا.
(١٧) عفَّا: زهد، وامتنع.
(١٨) سكانة: تَمَسْكُن.
(١٩) سروب: هائم على وجهه.
(٢٠) تحسبه إلفا: تحسبه مألوفا.
(٢١) أشفى: شارف واقترب.
(٢٢) استدفا: استدفأ وطلب الدفء.
(٢٣) هفَّا: هبَّ وانتشر.
(٢٤) يحفّ بها: يحلّق حولها.
(٢٥) رفَّا: رفرف.
(٢٦) تشتفّ: تتحقّق وتبحث بتقصٍّ.