عدد أبيات القصيدة
إِذَا جِئْتَ في خَاطِرِي زَائِرَا
تَسَتَّرْ بِلَيْلٍ، وَكُنْ حَاذِرَا
وَحَجِّبْ جَمالَكِ في ظُلْمَةٍ
وَعَيْنَيْكَ في بُرْقُعٍ سَاتِرَا
وَلَا تُلْقِ قَلْبِيَ في فِتْنَةٍ
وَلَا تَسْقِ خَمْرَكَ لي عَاصِرَا
تَدَثَّرْ بِجَفْوٍ إِذَا زُرْتَني
وَلَا تُفْشِ لي صَوْتَكَ السَّاحِرَا(١)
وَلَا تُدْنِني مِنْكَ في ضَمَّةٍ
وَلَا تُرْخِ لي فَمَكَ العَاطِرَا
وَإِذْ مَا لَقِيتَ فُؤادِي؛ فَلا
تُعِرْهُ اهْتِمَامًا، وَسِرْ هَاجِرَا
وَوَقِّ الـمُتَيَّمَ عِشْقًا، وَلَا
تَدُقَّ عَلَى بَابِهِ نَاقِرَا
وَأَكْمِلْ جَمِيلَكَ، إِنْ زُرْتَني
وَبَعْدَ اللُّقَى، لَا تَعُدْ بَاكِرَا(٢)
فَقَلْبي عَلَى دَأْبِهِ سَاذَجٌ
وَمَا زَالَ في عِشْقِهِ قَاصِرَا
هُوَ الطِّفْلُ يَجْهَلُ عِلْمَ الهَوَى
وَلَا يَفْهَمُ الوَلَهَ الـمَاكِرَا
مَريضٌ عَنِيدٌ، وَكَمْ مَسَّهُ
جُنُونُ الهَوَى، فَهَوَى خَائِرَا(٣)
ويَعْشَقُ في ذِلَّةٍ دَاءَهُ
وَكَانَ بِطِبِّ الجَوَى كَافِرَا
فَمَا مِنْ دَوَاءٍ، يَفِي وَقْتَهُ
وَلَا يَتِّقِي فَاتِنًا آسِرَا(٤)
إِذَا مَا دَعَاهُ عَلَى غِرَّةٍ
مَلِيحٌ تَوَلَّعَهُ صَاغِرَا
وإنْ لَمْ يُلاقِ حَبيبًا لَهُ
أَحَبَّ نَسِيمَ الهَوَا العَابِرَا
وإنْ شَاءَ نَبْضٌ لَهُ صَبْوَةً
غَدَا مَا يَشَا نَبْضُهُ صَائِرَا(٥)
يُعِدُّ وَلائِمَهُ تَائِقًا
لِيُطْعِمَ مَحْبُوبَهُ النَّاظِرَا
ويَطْهُو الحَنِينَ بأَشْوَاقِهِ
يَرُشُّ مَشَاعِرَهُ بَاذِرَا
وَيَسْهَرُ كالأُمِّ في لَهْفِهَا
عَلَى زَرْعِهِ حَانِيًا نَاطِرَا(٦)
يُسَامِحُ في عِشْقِهِ مَنْ نَأَى
يَنُوبُ إِلَى حِضْنِهِ طَائِرَا(٧)
وَعَنْهُ يَنُوبُ بِأَفْعَالِهِ
إِذَا مَا الحَبِيبُ دَعَا آمِرَا
يُسَمِّي إِذَا مَا اغْتَذَى أَكْلَهُ
لَهُ أَوَّلًا كانَ أَوْ آخِرَا(٨)
يَمُدُّ يَدَيْهِ لِـمَحْبُوبِهِ
يُذَوِّقُهُ عِشْقَهُ الفَاخِرَا
وَيَغْسِلُ تِلْكَ التي أَطْعَمَتْ
ويَرْفَعُها دَاعِيًا شَاكِرَا
إِذَا مَا تَهَجَّدَ مَحْبُوبُهُ
يُصَلِّي، وَيَدْعُو لَهُ نَاذِرَا
يُعَاوِنُهُ الصَبُّ في نُسْكِهِ
فَبَاتَ الدُّجَى هَاجِدًا ذَاكِرَا
فَهَذَا لِذَاكَ غَدَا خَادِمًا
وَبَعْدُ.. ارْتَضَى مُلْكَهُ الجَائِرَا
وَذَاكَ جَفَاهُ، وَهَذَا ائْتَوَى
لِـمَنْ جَذَّ شِرْيَانَهُ ضَائِرَا(٩)
وَرَغْمَ بَشَاعَةِ مَأْسَاتِهِ
نَسَا ذُلَّهُ صَافِحًا غَافِرَا(١٠)
وَتَابَ عَلَيْهِ بِرَغْمِ الأَسَى
عَفَا عَنْهُ مُغْتَفِرًا عَاذِرَا
إِذَا مَا تَجَبَّرَ في ظُلْمِهِ
يُسَانِدُ مَحْبُوبَهُ نَاصِرَا
وَيُرْخِي الشِّراعَ عَلَى رِسْلِهِ
ويُبْحِرُ في غِيِّهِ سَادِرَا(١١)
وَبَعْدَ مَشَقَّةِ طُوفَانِهِ
يُصارِعُ مَوْجَ البُكَا الهَادِرَا(١٢)
تَدُورُ عَلَيْهِ الدَّوَائِرُ لَا
يَهُبُّ عَلَى حُكْمِهِ ثَائِرَا
كَأَنَّ عَلَى رَأْسِهِ طَائِرًا
ويُخْمِدُ بُرْكانَهُ الظَّاهِرَا
ويُلْقِي بِحَبْلٍ عَلَى غَارِبٍ
لِـمَحْبُوبهِ؛ فَانْتَهى ثَابِرَا(١٣)
يُعَانِى (كأَيُّوبَ) في الضُّرِّ مَا
شَكَا مَرَّةً ظُلْمَهُ الدَّائِرَا
يَفِرُّ لِخَلْوَةِ مِحْرَابِهِ
وَيَدْعُو عَلَى ظُلْمِهِ بَاطِرَا
كَدَعْوَةِ أُمٍّ عَلَى وُلْدِها
يُعَارِضُها قَلْبُها نَاكِرَا(١٤)
يَمُدُّ لَهُ العَوْنَ في ضَعْفِهِ
يُطَيِّبُ كَسْرَتَهِ جَابِرَا
وَيَمْنَحُهُ لِينَ تَحْنَانِهِ
وَسَيْلَ مَوَدَّتِهِ الغَامِرَا
يُحَقِّقُ مَا طَافَ في حُلْمِهُ
وَسِرَّ مُنَى عَقْلِهِ الخامِرَا
يُنَفِّذُ مَا دَارَ في خَلْدِهِ
وَإِنْ فَاهَ مِنْ فَمِهِ بَادِرَا(١٥)
وَقَبْلَ خُطُورٍ عَلَى بَالِهِ
تَبَنَّاهُ أَمْرًا لَهُ صَادِرَا
فَأَصْبَحَ خَادِمَ مِصْبَاحِهِ
وَفَانُوسَ مَارِدِهِ النَّادِرَا
(وَشُبَّيكَ لُبَّيكَ) مَا عَزَّها
وَحَقَّقَ مَطْلُوبَهُ العَاشِرَا
أَطَاعَ أَوَامِرَهُ رَاضِخًا
وَإِيمَارَهُ؛ (هَاتِ يَا شَاطِرَا)(١٦)
وَقَبْلَ ارْتِدَادِ شَفَا طَرْفِهِ
إِلِيْهِ يُنَفِّذُهَا صابِرَا(١٧)
حَلِيبُ العَصَافِيرِ لَوْ يَشْتَهِي
يَكُونُ كَمَا (سَبَإٍ) حَاضِرَا(١٨)
إِذَا ابْتَاعَ شَيْئًا جَرَى، وَاشْتَرَى
إِذَا شَاءَ بَيْعًا غَدَا تَاجِرَا
المعاني
(٢) اللقى: اللقاء.
(٣) فهوى: فمات وهلك.
(٤) يفي: يؤدّي.
(٥) صبوة: مصدر صبي: حنين.
(٦) ناظرا: ساهرًا على رعايته.
(٧) ينوب إلى: يعود إلى.
(٨) اغتذى: التهم أو تناول الغذاء.
(٩) ائتوى: رقّ لهُ، جذّ: قطع، ضائرا: جائعًا.
(١٠) نسا: ترك (نسا، ينسو، نسوة “المعجم الوسيط”).
(١١) سادرا: تائها.
(١٢) البكا: البكاء.
(١٣) ثابرا: هالكا.
(١٤) وُلدها: أولادها.
(١٥) بادرا: صادرًا أو مسرعًا.
(١٦) إيماره: أمره، شاطرا: فهِما ونجيبا ومتصرّفًا.
(١٧) شفا: حرف، طرفه: بصره.
(١٨) سبأ: مدينة يمنيّة قديمة.