عدد الأبيات
مَلِيحَةُ أَخْدَارٍ تُجِيدُ العِنَاقَا
تُرِيقُ دَمِي بِالْعِشْقِ كَأْسًا دِهَاقَا(١)
فَتَاةٌ كَمَا قَالَ الكِتَابُ تَزَيَّنَتْ
بِأَخْلَاقِها، وَالْحُسْنُ يَعْلُو طِبَاقَا(٢)
تَطِيبُ تَبَارِيحُ الْهُمُومِ بِذِكْرِها
أَطَلَّتْ عَلَى الشَّهْدِ الـْمُصَفَّى؛ فَرَاقَا(٣)
إِذَا أَقْبَلَتْ كَالْبَدْرِ أَعْرُجُ رَاكِبَا
إِلَى مَلَإ الْحُسْنِ الْعَلِيِّ بُرَاقَا(٤)
يَقُولُ الْـمَلَا لِلْقَلْبِ دَنِّ لِخُلْدِها
وَذُقْ مِنْ عُيونِ الْحُورِ شَهْدًا؛ فَذَاقَا(٥)
وَلِلَّهِ دَرُّ الفَاتِنَات؛ فَتَنَّنِـي
وَسُبْحَانَ مَنْ أَسْنَى، وَسَوَّى الْحِدَاقَا(٦)
وَللهِ دَرُّ العَيْنِ في لَوْنِ مَوْجِها
تَفُوحُ مِنَ الْبَحْرِ الشَّفِيفِ ازْرِقَاقَا(٧)
كُرَاتٌ مِنَ الفَيْروزِ في كَوْمِ لُؤْلُؤٍ
يُغَازِلُ في السِّرِّ الْحِدَاقَ الرِّقَاَقا
نَواعِسُ مِنْ عَاجٍ رَفِيعٍ، وَجَوْهَرٍ
يُصَرِّفُهُ لَوْنُ السَّمَاءِ اشْتِقَاقا
تَضُمُّ يَدَيْها لِلْجَنَاحِ؛ فَأَشْرَقَتْ
بِبَيْضَاءَ كَفٍّ لَا تَمَسُّ بُهَاقَا
إِذَا مَا اسْتَوَى الفَيْروزُ شَارَ جَمَالُهُ
إِذَا مَا اسْتَدَارَ البَدْرُ زَادَ اتِّسَاقَا(٨)
مُحِيطٌ سَمَاوِيٌّ، وَدُرَّةُ تَاجِهِ
بِجِيرةِ سُكَّانِ السَّمَاوَاتِ لَاقَا
تَشَعْشَعَ بِالْأَنْوَارِ شَعْشَعَ فِضَّةً
كَرُوحٍ مِنَ الأَقْدَاسِ طَرَّ انْبِثَاقا(٩)
تَلَأْلُؤُهَا كَالْبَدْرِ في كُلِّ لَيْلَةٍ
فَلَا طَوْرَ في أَقْمَارِها.. لَا مَحَاقَا(١٠)
فَذَكِّرْ بِمَاضٍ يَا رَفِيقِي، وَخُصَّنِي
بِسَطْرٍ مِنَ الذِّكْرَى، وَخُصَّ الرِّفَاقَا
وَأَعْتِقْ لِسَمْعي مَا اسْتَطَارَ بِقِصَّةٍ
وَذِكْرَى هُيَامٍ لَا تُرِيدُ امِّحَاقَا(١١)
وَخُضْ في تَفَاصِيلِ الغَرَامِ، وَغَوْرِهِ
وَرَقِّقْ بِبَوْحِي الْعَاشِقِينَ الْحِذَاقَا
وَقُلْ للَّذِي عَابَ النَّسِيبَ، وَأَهْلِهِ
تَخَيَّرْ مِنَ الْعِشْقِ الْحَنِيفِ اعْتِنَاقَا
تَدِينُ لَهُ الأَذْوَاقُ رَغْمَ اخْتِلَافِها
عَصَا تَكْتَوِي مِنْها البُّحُورُ انْفِلَاقَا
لَهُ لُغَةٌ عُلْيَا بِهَا غَزَلُ الهَوَى
تَفَوَّقَ في مَسْرَى القَصِيدِ، وَفَاقَا
يُبَعْثِرُ أَرْوَاحًا يُطَيِّرُ طَيْفَهَا
فَمَا كَانَ في (لِبْنَانَ) جَاءَ (العِرَاقَا)
فَأَكْمِلْ أَبَا الأَنْبَاءِ خَبِّرْ حِكَايَتي
وَصِفْ لي فَتَاةً أَنْهَكَتْني فِرَاقَا
لَهَا أَلْفُ نَهْرٍ في جِنَانِ رُضَابِها
فَعَلَّ الفَتَى مِنْ خَمْرِها مَا أَفَاقَا(١٢)
فَتَجْنَحُ لِلْخَدَّيْنِ تَطْبَعُ قُبْلَةً
مُرَبِّتَةً بِالْكَفِّ حَتَّى اسْتَفَاقَا
تَجَرَّعَ بِالْرَّشْفَاتِ قُبْلَةَ ثَغْرِها
فَأَدْمَنَ مَنْ ذَاقَ النَّعِيمَ الْـمَذَاقَا
وَلِيجَتُهُ لَيْلُ الشِّفَاهِ، وَجُبُّها
يُدَاوِمُ في اللَّيْلِ الطَرِيِّ انْسِحَاقَا(١٣)
تَنَزَّلَ في أَغْوَارِهَا مُتَوَغِّلًا
تَصَعَّدَ في اللذَّاتِ يَعْلُو امِّرَاقَا(١٤)
كَطِفْلٍ لَعُوبِ الثَّغْرِ غَاصَ بِمَلْبنٍ
وَجَوْزِ لِسَانٍ لَوْ تَدَلَّى وَتَاقَا
غَنِيمَتُهُ الحَلْوَى، وَغَوْصٌ بِسُكَّرٍ
وَفَوْقَ جَنَى البَيْعَاتِ حَازَ الْتِزَاقَا(١٥)
فيُعْلِنُ غَوَّاصُ الشِّفَاهِ القِتَالَ إنْ
أَبَى بَابُها الغَضُّ الرَّطِيبُ انْبِلاقا(١٦)
لِيُنْشُدَ أَشْعَارًا بِسَيْفِ لِسَانِهِ
وَذَا لَمْ يَخُضْ هَيْجَاءَ إِلَّا امْتِشَاقَا(١٧)
أَذَلَّ شِفَاهً دَاسَ عُقْرَ حُصُونِها
وَأَحْرَزَ في كُلِّ الصُّفُوفِ اخْتِرَاقَا
فيَعْبَثُ في فَصْلِ الجَفَافِ بِدَوْلَةٍ
إِذَا اسْتَسْلَمَتْ فَارَ النَّضِيحُ انْدِلَاقَا(١٨)
فَطَعْمُ الَّتي أَعْلَى يُقَطِّرُ دَهْشَةً
وَطَعْمُ التِي أَدْنَى يَحُثُّ الشُّهَاقَا(١٩)
تَلَاقَى نَدَى الرِّيقِ الصَّبِيبِ، وَنَبْعُهُ
مَعَ الطَّرْمِ مِنْ مَجْرَى أَخِيهِ تَلَاقى(٢٠)
هَلُمَّ لَهَا؛ فَالْيَوْمَ آخِرُ فُرْصَةٍ
لِتَنْسَاقَ في كَأْسِ الرَّحِيقِ انْسِيَاقَا
كَرِيمَةُ أَصْلِ الثَّغْرِ يُسْقَى مُرِيدُها
..مَشَاعِرُهُ، وَالْقَلْبُ.. كُلٌّ تَسَاقَى(٢١)
تَلَاقَى نَدَى الرِّيقَيْنِ يَا حَجْمَ فَرْحَةٍ
لِـمَسْكُوبِ رِيقٍ عِنْدَمَا يَتَلَاقَى
فَأَسْقَتْهُ خَمْرًا مِنْ فَصِيحِ لِسَانِها
لِيَلْعَقَ كَالْـمَلْهُوفِ هَذَا اللُّعَاقَا
تُرَيِّقُهُ تَرْيِيِقَةً بِصَبُوحِهَا
وَفي قَيْلِهَا كَانَتْ تَصُبُّ الرُّحَاقَا(٢٢)
تَرَوَّى فَمُ الهَيْفَانِ ذَاقَ غَبُوقَهَا
مِنَ الرِّيقِ سَيْلًا لَا يَكُفُّ انْدِفَاقَا(٢٣)
وَأَسْقَتْهُ بالطُّوفَانِ مِنْ صَفْوِ شَرْوِهَا
فَقَالَ: (قَلِيلٌ لَا يَسِدُّ الرَّمَاقَا)(٢٤)
يَعِيشُ، وَلَا يَدْرِي مِنَ العُمْرِ كَمْ مَضَى
قُرُونٌ مَضَتْ مَا عَاشَ إِلَّا فَوَاقَا(٢٥)
وَيَخْتَرِعُ الْأَسْبَابَ زُورًا لِقُرْبِها
وَمَا لَذَّتِ الأَسْبَابُ إِلَّا اخْتِلَاقَا
وَيَرْكَعُ في الْأَسْحَارِ يُخْرِجُ خَاتَمًا
فَسَالَ لَهُ الرِّيقُ الْأَبِيُّ، وَشَاقَا(٢٦)
وَيَطْلُبُ قُرْبًا لِلْشِّفَاهِ، وَزِيجَةً
شِفَاهٌ أَرَادَتْ بِالْشِّفَاهِ ارْتِفَاقَا(٢٧)
يُعَدِّدُ أَسْبَابَ الغَرَامِ لِأَهْلِهَا
وَيَحْبُكَ في سَرْدِ الشُّرُوحِ النِّطَاقَا(٢٨)
كَتُومٌ، وَلَكْنْ تَحْتَ ضَغْطٍ لِبَوْحِهِ
تَفَجَّرَ أَغْلَى بَوْحِهُ، فَهَرَاقَا(٢٩)
وَيَخْطُبُ بِنْتَ الرِّيقِ يَدْفَعُ مَهْرَهَا
وَيُحْسِنُ مِنْ أَجْلِ الزَّوَاجِ الصَّدَاقَا(٣٠)
فَجَاءَا بِمَأْذُونٍ، وقَسٍّ، وَكَاهِنٍ
أَقَرُّوا زَوَاجًا لَا يُبِيحُ الطَّلَاقا
المعاني
(٢) طباقا: طبَقة فَوْقَ طبقَةٍ.
(٣) تباريح: لوعة، راقا: صفا.
(٤) الملأ العليّ: الملأ الأعلى: عالم الأرواح المجرَّدة، الملائكة المقرّبون، أو عامّة الملائكة، براق: دَابَّة ركبها رسول الله ليلةَ المعراج.
(٥) الملا: الملأ، دنّ: تقرّب.
(٦) أسنى: خلق سَناها وضَوْءها.
(٧) الشفيف: الشفّاف.
(٨) شار: حَسُن مَنظَرُهُ.
(٩) تشعشع: انتشر، شعشع: انتشر خفيفا، طرّ: أشرق وأضاء وكان طَرِيرًا ذا رُواءٍ وجمال.
(١٠) محاق: مَا يُلاحَظ مِن نُقصان فِي القمر بعْد اكتماله.
(١١) امّحاق: اضمحلال، امّحاء.
(١٢) رضاب: ريق، علّ: شَرِبَ الشربة الثانية أو تِباعًا.
(١٣) وليجته: الوليجة: دخيلة النفس أو بطانة الرجل من الخاصة والأصدقاء المقرّبين، جبّها: بئرها أو قعرها.
(١٤) امّراقا: مروقا كالسهم.
(١٥) جنى: عائد، التزاق: التصاق.
(١٦) انبلاقا: انفتاحا.
(١٧) هيجاء: حرب، امتشاق: استلال كإخراج السيف من الغمد.
(١٨) فار: تدفّق، النضيح: الرشح أو الحوض، اندلاقا: انصبابا وسكبا.
(١٩) الشهاق: الشهيق بدهشة.
(٢٠) الصبيب: المصبوب المراق، الطرم: شهد العسل.
(٢١) تساقى: سَقَى كلُّ واحد منهم صاحِبَه.
(٢٢) تريّقه: سقته إيّاه رائقا أو على الريق، صبوح: ما يسقى في الصباح، قيل: ما يسقى في القائلة ومنتصف النهار.
(٢٣) غبوق: ما يسقى في العشيّ.
(٢٤) شرو: عسل، شرو النخل: عسله، الرماق: الحاجة من قليل من العيش.
(٢٥) ما عاش إلا فواقا: إلا لحظة.
(٢٦) شاق: تاق ونزعت نفسه إليه.
(٢٧) ارتفاقا: رفقة واصطحابا.
(٢٨) يحبك النطاقا: يعدّ العدّة.
(٢٩) هراق: صبّ.
(٣٠) بنت الريق: الشفة.