عدد أبيات القصيدة
مَا لي أَرَى الْقَلْبَ عِنْدَ الجَفْوِ قَدْ ذَابَا
وَزَادَ في وَلَعِ الْـمَعْشوقِ إِنْ غَابَا
رَأَى الْحَبِيبَ عَصِيًّا، فَاسْتَكَانَ لَهُ
دَنَا؛ فَأَغْضَبَني بِالْقُرْبِ إِغْضَابَا
جَرَى إلَيْهِ بِلَا عَقْلٍ، وَلَا حَرَجٍ
كَأَنَّهُ لِطَرِيقِ الرُّشْدِ قَدْ ثَابَا
بِالْوَرْدِ طَارَدَهُ كَالطِّفْلِ حِينَ رَأَى
وَخَالَ في حَرِمِ البَلُّوطِ سِنْجَابَا(١)
وَهَامَ في الْبُعْدِ مَجْذُوبًا، وَمَالَ لَهُ
كَالْقُطْبِ لِلْقُطْبِ إِنْ جَاذَبْتَ أَقْطابَا
يَهْمِي عَلَى الْوَجْهِ تَوَّاقًا لِصُحْبَتِه
يَسِيرُ كَالصَّبِّ طَوَّافًا، وَجَوَّابَا
وَفي امْتِدَادِ الْأَسَى، وَالنَأْي طارَ بِهِ
عِشْقًا، وَأَبْدَى لَهُ وِدًّا، وَتَرْحَابَا
إِذَا رآهُ؛ فَمِنْ تِلْقَاءِ حَسْرَتِهِ
هَمَى دَمُوعًا، وَشَلَّالُ الْبُكَا سَابَا(٢)
كَمْ كُنْتُ أحْنُو عَلَى قَلْبِي أُعَلِّمُهُ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَآتَيْناهُ أَسْبَابَا
أَبْني السَّفَائِنَ في الطُّوفَانِ أَحْمِلُهُ
بِالْحُبِّ أُدْسِرُ أَلْواحًا، وَأَخْشابا(٣)
كُنَّا عَلَى الْـمُرِّ قَبْلَ الْحُلْوِ في دَعَةٍ
كُنَّا عَلَى سُفُنِ الْأَهْوَالِ رُكَّابَا(٤)
فخَانَ مَوْثِقَنَا اعْتَادَ الْهُروبَ لَهُ
وَغَابَ عَنْ نَظَري، قَدْ صارَ غَيَّابَا
في حُفْرَةِ الشَّوْقِ هذا الصَبُّ أَوْقَعَني
تُرَاهُ أَصْبَحَ حَفَّارًا، ونَقَّابا(٥)
وَشَقَّ في خُلْسَةٍ دَرْبًا، وأَوْصَلَ مِنْ
أَجْلِ الْهُرُوبِ إِلَى الْـمَعْشُوقِ سِرْدَابَا
مَاذَا دَهَاهُ، يَتُوهُ الْقَلْبُ مِنْ وَلَهٍ
سَطَا عَلَى مُهْجَتي قَدْ صارَ سَلَّابَا(٦)
يَنْسَلُّ في خُفْيَةٍ كَاللصِّ مُقْتَحِمًا
أَبْوابَ رُوحي إِذَا غَلَّقْتُ أَبْوَابَا
تَوَجَّسَ الْقَلْبُ مِنْ إِغضَابِهِ فَزِعًا
وَخَافَ مِنْ سُخْطِهِ، وَارْتَاعَ، وَاهْتَابَا
تَعْلَّلَ الْقَلْبُ بِالْأَسْبابِ يَسْرُدُهَا
زُورًا، وَأَسْهَبَ في الْعِلَّاتِ إِسْهَابَا
للهِ دَرُّ فُؤَادٍ في تَخَيُّلِهِ
يَحْكي، وَيُطْرِبْني بِالزَّيْفِ إِطْرَابَا
آهٍ لِحُجَّة قَلْبٍ مَا عَرَفْتُ لَهَا
في مُعْجَمِ الْعِشْقِ تَصْرِيفًا، وَإِعْرَابَا
هانَتْ عَلَيْهِ بِدَارِ الْحُبِّ عِشْرَتُنَا
وَيْلَ الـْمُحِبِّ بِقَلْبٍ صَارَ كَذَّابَا
يَشُدُّ أَزْرَ وَلِيفٍ في الْغرَامِ إِذَا
قَلَّمْتُ مِخْلَبَهُ أَنْمَى لَهُ نَابَا(٧)
أَلَا حَنِينَ؟ أَلَا تَحْنانَ يُرجِعُهُ؟
مَا بَالُهُ اخْتَارَ عِصيَانًا، وَإِضْرَابَا(٨)
أَيَحسَبُ الذُّلَّ لِلْمَحْبُوبِ مَكْرُمَةً
مَا زَالَ قَلْبيَ سَمْحَ النَّفْسِ وَهَّابَا
يَكِيدُ كَيْدًا لَنَا، يَحْتَالُ يَمْكُرُ لي
صَارَتْ خَديعَتُهُ فَنًّا، وَآدابَا
بِالْغِشِّ، وَالْغَدْرِ، وَالْتَّدْليسِ يَبْرَعُ في
سِحْرٍ، وَشَعْوَذَةٍ قَدْ نَالَ أَلْقَابَا
أَسْدِيْتُ نَصْحَيَ، وَالْـمُحْتَالُ قَابَلَهُ
بِالرَّفْضِ ضَاعَفَ أَوْجَاعًا، وَأَوْصَابَا(٩)
لَمْ يُلْقِ بَالًا لِـمَأْسَاتِي، وَفَاجِعَتي
تُراهُ يَحْسَبُهَا لَهْوًا، وَتَلْعَابَا
وَجَاوَزَ الْحَدَّ، أَبْدَى لي مَكايِدَهُ
في السِّرِّ يَنْصِبُ أَشْرَاكًا، وَأَلْعَابَا(١٠)
أَجَلَّ مَقْصُودَهُ يَهْوَاهُ في هَوَسٍ
يَسْتَجْلِبُ الْقَلْبُ أَزْلامًا، وَأَنْصَابَا(١١)
سُهْدٌ يُلازِمُهُ مَا فَاتَ مَضْجَعَهُ
بُؤْسٌ، وَأَرَّقَ لي فِكْرًا، وَأَعْصَابَا
في الْهَمِّ صَلَّبَني، وَالنَّارُ قَدْ أَكَلَتْ
كَالطَّيْرِ مِنْ جَسَدِي رَأْسًا، وَأَعْقَابَا(١٢)
يَنْهَارُ قَلْبي إِذَا اسْتَوْلى عَلَيْهِ هَوًى
مَاذَا أَلَمَّ بِهَذَا الْقَلْبِ، وَانْتَابَا
يَا قَلْبُ مَهْلَكَ قَدْ تُفْضِي لِتَهْلُكَتي
تَقْسُو، وَتُظْهِرُ عِنْدَ الْعَتْبِ أَنْيَابَا
مَا قُلْتُ تُهْنَا بِهِ إِلَّا وَصِحْتَ بِنَا:
(مَا أَجْمَلَ التِّيهَ، وَالْأَدْغَالَ، وَالْغَابَا)
في الْوَهْمِ تُغْرِقُنِي غَصْبًا، وَتُرْهِبُنِي
عَلَامَ تَزْرَعُ كَالْـمَوْتُورِ إِرْهَابَا
مَا انْفَكَّ نَبْضُكَ تَسْتَهْوِيهِ حِيرَتُنَا
وَيُشْمِتُ الْيَوْمَ أَعْدَاءً، وَأَغْرَ ابَا
تُدِرُّ عَطْفًا، وَتَسْتَجْدِي بِمَسْكَنَةٍ
عَلامَ تُرْسِلُ خُدَّامًا، وَحُجَّابَا(١٣)
أَتَطْلُبَ الْوَصْلَ مِمَّنْ قَلْبُهُ حَجَرٌ
عَلَامَ تُوفِدُ مَبْعُوثًا، وَنُوَّابَا
عَارضْتُ تِيهَكَ؛ فَاسْتَهْزَأْتَ في صَلَفٍ
وَقُلْتَ: (بُؤْسًا إِذَا بَدَّلتُ أَعْتَابَا(١٤)
مَا كُنْتُ في الْعِشْقِ بِالْـمُرْتَدِّ عَنْ شَغَفي
وَلَا اتَّخَذْتُ لَنَا في الْعِشْقِ أَرْبَابَا)
حَذَّرْتُ نَبْضَكَ مِنْ فَوْضَى تَوَغُّلِهِ
فَقُلْتَ: (لَا أَكْرَمَ الرَّحْمَٰنُ هَيَّابَا
إِلَّا دَهٍ – كُلَّمَا لَاحَتْ لَنَا فُرَصٌ-
فَلَا دَهٍ، لَا تَكُنْ لِلْبُعْدِ عَرَّابَا(١٥)
وَلَا تُفَوِّتْ عَلَيْنَا فُرْصَةً سَنَحَتْ
كُنْ في الْحَيَاةِ عَلَى الْأَهْدَافِ وَثَّابَا
أَكْرِمْ أَخَاكَ أَبَيْتَ اللعْنَ يَا بْنَ دَمِي
وَلَا تَكُنْ لِهَوَى الْـمَقْتُولِ نَدَّابَا(١٦)
وَارْفُقْ عَلَى مُشْتَهٍ حَالَ الْحَنِينِ تَكُنْ
أَرْضُ الْـمُحِبِّينَ بِالْأَشْوَاقِ مِعْشَابَا)(١٧)
مَاذَا فَعَلْتَ بِلَيْلٍ يَبْنَؤُمِّ بِنَا
مِنْ ذِكْرِ مَعْشُوقِنَا لَذَّذْتَ أَلْبَابا(١٨)
أَوْقَعْتَنا بِالْهَوَى في فَخِّ مِصْيَدَةٍ
أَشْرَبْتَنَا مِنْ كُؤُوسِ التِّيهِ إِشْرَابَا
تَبَّتْ يَداكَ ابْتَعِدْ عَنِّي بِلَا أَسَفٍ
آيَسْتُ مِنْكَ أَنَا مُذْ صِرْتَ أَوَّابَا
جَرَّفْتَ أَرْضِيَ، كَمْ أَسْهَمْتَ في تَلَفِي
جَعَلْتَ مِنْ عَشَبِ الْبُسْتانِ أَنْقَابَا(١٩)
المعاني
(٢) أدسر: أجمّعها بالدسار، المسمار .
(٣) ساب: سال.
(٤) دعة: رغد العيش.
(٥) نقّاب: الكثير التنقيب.
(٦) سلّابا: كثير السرقة، النهب.
(٧) أنمى: ربّى، جعله ناميًا.
(٨) تحنان: الحنين الشديد.
(٩) أوصابا: أوجاعا.
(١٠) أشراكا: فخاخا.
(١١) أزلامًا: أسهم للاستخارة، أنصابا: مكان الذبائح، كلّ ما يعبد من دون الله.
(١٢) أعقابا: جمع عقب: عظم مؤخرة القدم.
(١٣) حجّاب: جمع حاجب: “البوّاب”.
(١٤) صلف: تكبّر، بدّلتُ أعتابا: غيّرتُ حبيبًا بحبيب.
(١٥) إلّا دهٍ؛ فلا دهٍ: الآن وإلا لا للأبد، عرّاب: مدبّر، منسّق عملية البعد.
(١٦) أبيْتَ اللعن: تحيّة الملوك في الجاهلية، ابن دمي: قلبي، ندّابا: كثير الندب بتعديد محاسن الميّت، البكاء عليه.
(١٧) حال الحنين: وقت الحنين، معشاب: خصبة، ذات عشب.
(١٨) يبنؤم: يا بن أمّي (بالرسم القرآني).
(١٩) عشب البستان: إنبات عشبه، أنقاب: حُفر.