عدد أبيات القصيدة
مُسْتَهِينًا.. إِذَا تَبَيَّنَ وِرْدُ
قِيْلَ: (أَدْرِكْ مَرْوَاكَ)، قُلْتُ: (وَبَعْدُ؟)(١)
مَا تَعَلَّمْتُهُ.. وَمَا يَنْبَغِي لِي
غَيْرُ إِرْوَائِهِمْ إِذَا انْهَلَّ حَشْدُ(٢)
أَيُّ بِئْرٍ؟ فِي أَيِّ حُلْمٍ تُرَوِّي
فَيْضَ نَهْرٍ؛ طُوفَانُهُ لَا يُحَدُّ!(٣)
لَيْسَ فِي الْـمَاءِ لِلْـمَنَابِعِ سُقْيَا،
هَلْ حَسَا مِنْ جَنَى الرَّحَائِقِ وَرْدُ! (٤)
كَيْفَ تُدْعَى لِسُكَّرٍ جَرَّةٌ؟ لَا
يَشْتَكِي مِنْ نَقْصِ الْحَلَاوَةِ شَهْدُ
مَحْضُ إِفْكٍ.. وَجَرَّةُ الشَّهْدِ قَالْتْ:
(لَيْسَ تُعْنَى (بِابْنِ الْـمُغِيرَةِ).. (هِنْدُ))(٥)
لَا تُبَالِي الْجَرَّاتُ بِالرَّشْفِ؛ أَنَّى
تَشْتَهِي وَالنَّدَى بِهَا لَا يُعَدُّ!
مُسْتَهِينًا؛ مِنِّي الْـمَنَابِعُ رِفْدُ
قِيلَ: (أَدْرِكْ)، فَمَا الَّذِي يَسْتَجِدُّ! (٦)
بِالتَّبَارِي في السَّبْقِ غَيْرَ مُبَالٍ
كَيْفَ يَهْتَمُّ بِالسُّلَحْفَاةِ فَهْدُ؟
مُسْتَخِفًّا بِضَجَّةٍ؛ هَلْ تَأَذَّتْ
مِنْ صِيَاحٍ لِسَاكِنِي الْغَابِ أُسْدُ؟
قِيلَ: (لَا)، قُلْتُ: (جَهِّزُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ رِبَاطٍ لِرَشْفَةٍ وَأَعِدُّوا
وَانْتَوُوا حِجَّةً إِلَى (زَمْزَمٍ)، هَلْ
كُلُّ مُشْتَاقٍ لِلْهَوَى مُسْتَعِدُّ؟
تِلْكَ بِئْرِي وَرَيّةٌ لِلْعَطَاشَى
مَاؤُهَا الْعَذْبُ في الرِّفَادَةِ جُنْدُ(٧)
لَيْسَ نَهْلُ الذِّي إِلَى الْـمَاءِ يَغْدُو
غَيْرَ تَكْرَارِ مَنْ عَلَى الْـمَاءِ يَعْدُو)
قَيلَ: (أَنْهِلْ) فَقُلْتُ: (في (أُحُدٍ)؛ هَلْ
قَدْ تَنَحَّى عَنِ الرِّمَايَةِ (سَعْدُ؟!))(٨)
مُسْتَقِرًّا مُرَاقِبًا فَوْقَ تَلٍّ
أَزَلِيٍّ فَليْسَ لِي بَعْدُ نِدُّ
مَنْبَعًا لَا غِنًى لِهَيْمَانَ عَنْهُ
لَيْسَ مِنْ نَفْحَةِ السِّقَايَةِ بُدُّ(٩)
فَوْقَ إِدْرَاكِهِمْ حَوَالَيهِ جَمْعٌ
مِنْ قُلُوبِ الْوُرَّادِ وَالنَّبْعُ فَرْدُ
هَمْلُهُ (كَالْأَنْصَارِ) مِنْ خَيْرِ أَصْلٍ
أَنْجَبَتْهُمْ لِعَمْرِ (يَثْرِبَ) (أَزْدُ)(١٠)
أَحْسَنُوا بَعْدَمَا فَشَا الْهَرْجُ فِيهِمْ
بَيْعَةً حِينَ زَارَ (مَكَّةَ) وَفْدُ
حِينَ غَطَّى عَلَى (الْـمَدِينَةِ) نُورٌ
هَلْ نَمَا مِثْلُهُمْ عَلَى الْهَدْيِ وُلْدُ؟(١١)
مَغْدِقٌ غَيْرُ مُنْفِذٍ مَارِقٌ مِنْ
غَيْرِ نَضْحٍ وَدَرَّعَ القَاعَ زَرْدُ(١٢)
لَا (دِيُورِيتَ) لَا (جِرَانِيتَ) لَكِنْ
فِيهِ شَفُّ الْأَلْـمَاسِ والْحَشْوُ صَلْدُ(١٣)
بِمَرَاعٍ مُرُوجُهَا أَمْرَعَتْ مِنْ
فَيْضِهِ تَحْتَفِي (الْحِجَازُ) (وَنَجْدُ) (١٤)
وَالْـمُرِيدُونَ يَسْتَقُونَ فُرَاتًا
جَمَعَ الْوَحْيَ وَالْقَرَائِحَ عَهْدُ(١٥)
مُسْتَهِينًا بِكُلِّ وِرْدٍ ودَرِّي
رَابِطُ الْجَأْشِ، إِنْ نَضَا الْـمَاءُ، جَلْدُ(١٦)
بَيِّنًا مِنْ دُونِ التَّفَاصِيلِ بَدْرًا
إِنْ تَغَشَّى الْوَلُوعَ بالْبَدْرِ سُهْدُ(١٧)
فَإِذَا أَتْبَعَ الْـمُؤَرَّقُ بَحْثًا
بِالتَّحَرِّي يَعُمُّ نَعْسٌ وَفَقْدُ(١٨)
غَيْرَ مَقْرُوءٍ كَمْ لَعِبْتُ بِزَهْرِي
فَاخْتَفَى النّقْشُ وَانْزَوَتْ عَنْهُ نَرْدُ! (١٩)
خَانَكَ الظَّنُّ يَا مُحَرِّضَ خَطْوِي
مَلَّ مِنْ مُرْتَأَى نُجُومِكَ عَدُّ(٢٠)
شَاغَلَتْكَ النُّجُومُ لَيْلَةَ طَافَتْ
فِي سَمَائِي، لَهَّاكَ جَذْبٌ وَشَدُّ
وَتَأَوَّلْتَ بِالْـمَوَاقِعِ شَرْحًا
بِالتَّعَازِيمِ، وَالْبَخُورُ مُعَدُّ(٢١)
وَتَحَدَّسْتَ بِالتَّنَجُّمِ حَتَّى
تَقْبِصَ الطَّيْفَ وَالتَّنَجُّمُ صَفْدُ(٢٢)
فُشِقَ الذِّهْنُ عَنْ دَلَالَةِ طَيْفٍ
وَكَثِيرٌ عَلَيْهِ طَرْحٌ وَهَبْدُ(٢٣)
قُلْتَ: (يَبْدُو)، إِذا تَيَقَّنْتَ نُورًا؛
لَا تُعَوِّلْ عَلَى مَقُولَةِ “يَبْدُو”
كَمْ غَدَا مِعْوَلُ التَّيَقُّنِ إِفْكًا
حَيْثُ يُوهِي بُنَى الْحَقَائِقِ هَدُّ! (٢٤)
لَا تُعَبِّرْ رُؤْيَاكَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ
قَدْ يَخِيبُ التَّأْوِيلُ إِنْ لَاحَ قَصْدُ
قَدْ كَشَفْتَ الْغِطَاءَ عَنْ لَـمْعِ مَعْنًى
وَالَّذِي لَاحَ حِينَ كُشِّفَ سَدُّ
رُبَّمَا أَهْمَلْتَ جَوْهَرَ سِرٍّ
كَشْفُهُ مِنْ غِطَائِهِ مُسْتَمَدُّ
لَا تُشَخِّصْ بِمِشْرَطٍ كُلَّ دَاءٍ
حِينَ يُفْشِي الْأَعْمَاقَ فِي الْجَوْفِ جِلْدُ
قَدْ تَشِي بِالْكِتَابِ عَنْوَنَةٌ أَوْ
يَفْضَحُ السَّيْفَ فِي التَّسَتُّرِ غِمْدُ
فَعَلَى مَرْقَبٍ تَوَخَّ دَلِيلًا
يَنْتَشِلْ أَعْمَقَ الدَّلَالَاتِ رَصْدُ(٢٥)
نَلْمَحُ النَّارَ مِنْ نَزِيرِ دُخَانٍ
وَأَمَارَاتُهَا شَرَارٌ فَوَقْدُ(٢٦)
وَعُيُونُ الْـمُحِبِّ تَسْبِي قَبُولًا
مِنْ فَتَاةٍ إِذَا تَوَرَّدَ خَدُّ(٢٧)
وَالْبَرَاكِينُ تَشْمُرُ الثَّوْبَ دَخْنًا
وَبِمَاءِ السَّمَاءِ يُنْبِئُ رَعْدُ(٢٨)
إِنَّنِي النُّورُ لَا مُزَاحِمَ لِي هَلْ
جَدَّ فِي الْسِّحْرِ إِنْ تَّغَيَّبْتُ جِدُّ؟(٢٩)
إِنَّنِي (آدَمُ) الْفُنُونِ وَأَمٌّ
وَأَبٌ لِلْذَّوْقِ الرَّهِيفِ وَجَدُّ
إِنْ تُجَدِّفْ فلَا تُحَاوِلْ بِعُمْقِي
نَبْشَ رُؤْيَا وَمُعْطَيَاتُكَ ضِدُّ
إِنْ تُحَلِّلْ بِمَنْطِقِ الْبَحْرِ جَزْرًا
مَدَّ نَحْوَ الْأَغْوَارِ، فَالْجَزْرُ مَدُّ(٣٠)
قَدْ تَعَقَّبْتَ قِصَّةً دُونَ دَاعٍ
في تَفَاصِيلِهَا أَضَاعَكَ شَرْدُ(٣١)
المعاني
(٢) ما تعلّمته: ما تعلمت إدراك الماء أو الإشراف عليه، انهل حشد: تدفّق الواردون على الورد.
(٣) أيّ بئر: أيّ بئر فاعلة ذلك، في أي حلم تروّي: في أيّ حلم تستطيع أي بئر أن تسقي فيض نهر، لا يحدّ: لا يكون له حد فاصل بينه وبين جواره.
(٤) سقيا: نصيب من الماء، حسا: شرب، جنى: شهد، الرحائق: مفردها رحيق.
(٥) محض إفك: محض ادّعاء، ابن المغيرة: الفاكه بن المغيرة الذي أبت هند بنت عتبة الرجوع إليه بعدما أنصفها كاهن تحكاكما إليه في ادّعاء ابن المغيرة عليها ورفضت الرجوع لزوجها وتزوجت من أبي سفيان.
(٦) رفد: عطاء.
(٧) ريّة: المكان الذي يرتوون منه.
(٨) أنهل: أسقِ، أحد: معركة أحد، سعد: الصحابي سعد بن أبي وقّاص.
(٩) هيمان: عطشان، نفحة: عطيّة، بدّ: مهرب.
(١٠) همله: فيضه، الأنصار: الصحابة في المدينة المنوّرة من الأوس والخزرج، عمر: إعمار، يثرب: المدينة المنوّرة، أزْد: أسْد: قبيلة ينتمي إليها الأوس والخزرج.
(١١) هدي: هدى، وُلد: أبناء.
(١٢) مغدق: فائض بغزارة، مارق: ذاهب، نضح: رشح، زرد: حبْك وإحكام (تداخل حلق الدرع بعضها في بعض).
(١٣) الديوريت والجرانيت: حجران بركانيّان وناريّان وهما الأقوى طبقا لمقياس موس للصلادة بعد الألماس، شفّ: شفوف وشفافية.
(١٤) مروج: أراضي الرعي، أمرعت: أخصبت.
(١٥) فراتًا: ماءً عذبًا.
(١٦) دَرِّي: خيري وعطائي، نضا: نضب، جلد: قويّ صلب متحمّل.
(١٧) تغشّاه سهد: غطّاه، ساده.
(١٨) أتبع: تابع بعد أرقه، المؤرَّق: الساهد.
(١٩) انزوت عنه: اعتزلته، نرد: لعبة النرد.
(٢٠) محرّض خطوي: محرضي على إدراك الوِرد، مرتأى نجومك: المرئيّ من نجومك.
(٢١) تأولت: توسّمت وفسّرت، المواقع: مواقع النجوم، التعازيم: مفردها التعزيم: قراءة الرقى لطرد الشياطين.
(٢٢) تحدّست: تحسّست، التنجّم: مراقبة النجوم ورعايتها، تقبص: تناولته بأطراف أصابعك، صفد: قيد.
(٢٣) فُشِقَ: كُسِرَ، كثير عليه: التفكير فوق طاقته، طرح: رمْي، هبد: تكسير.
(٢٤) يوهي: يضعف، بنى: مفردها بنية: هيئة.
(٢٥) مرقب: مرصد أو موضع المراقبة.
(٢٦) نزير: قليل، أماراتها: علاماتها، وقد: اشتعال.
(٢٧) تسبي: تأسر.
(٢٨) تشمر الثوب دخنًا: تتهيّأ للانفجار بالدخان، ينبئ رعد: يخبر به.
(٢٩) جدّ جِدّ: جدّ أمرّ جدّيّ أو جدّت لحظة يُجتهد فيها.
(٣٠) مدّ نحو الأغوار: امتدّ نحو الأعماق.
(٣١) شرد: تيه.