عدد أبيات القصيدة
هَاتِ حِضْنَكَ الشَّرِدا
ضُمَّني لَهُ أَبَدَا
دَاوِني بِخَمْرتِهِ
أَبْقِني بِهِ أَمَدَا
وَاسْقِنِيهِ نَشْوَتَهُ
مُدَّ لِلْمُحِبِّ يَدَا
لَا تَصُبَّ خَمْرَ هوًى
في الْكُؤوسِ مُنْفَرِدا
وارْمِني لحِضْنِكَ يَا
فَاتِني الذي ابْتَعَدَا
بِالْغِيَابِ تُشْمِتُ بي
كُلَّمَا ارْتَحَلْتَ عِدَى
آهِ مِنْ هَوَى ثَمِلٍ
أَمْسُهُ يَصِيرُ غَدَا
خَالَ طَيْفَ فَاتِنِهُ
كَالْـمَلَاكِ حِينَ بَدَا
وَارْتَأَى مَحَاسِنَهُ
حِينَ لاَحَ، وَاتَّئَدَا(١)
هَلَّ مِثْلَ (يُوسُفَ) في
حُسْنِهِ الذي وُعِدَا
فَاشْتَهَى الْـمَلَامِحَ قَدْ
فَطَّرَتْ لَهُ كَبِدَا
هَمَّ أَنْ يُقَاوِمَهُ
جَاهِدًا، ومَا صَمَدَا
هَمَّ أَنْ يُعانِقَهُ
هَلْ تُراهُمَا اتَّحَدا!
قَدْ أَصَابَهُ خَبَلٌ
إِذْ رآهُ؛ فَارْتَعَدَا
غَابَ في مَلاحَتِهِ
فَاسْتَلَذَّ مَا شَهِدَا
ذَاقَ خَمْرَ فِتْنَتِهُ
في مَذَاقِهِ شَرَدَا
فاستَزَادَهُ شَغَفًا
بِالبَهاءِ مُطَّرِدا(٢)
يَسْتَحِثُّ طَلَّتَهُ
وَعْيُهُ الذي فُقِدَا
يَسْتَقي عُذوبَتَهُ
دَقَّ قَلْبُهُ، وَشَدَا(٣)
قَلْبُهُ يُؤَمِّلُهُ
حُلْمَهُ الذي نَشَدَا
ذابَ في تَرَنُّمِهِ
ذَابَ أَيْنَمَا وَرَدَا
وَارْتَوَى بِصُورَتِهِ
حِينَ قَامَ أَوْ قَعَدَا
وَاقْتَدَى بِمَنْهَجِهِ
في غَرامِهِ، وَحَدَا(٤)
عَدَّ حُسْنَهُ مَثَلًا
في الْجَمَالِ، وَاعْتَمَدَا
صَارَ ما تَوهَّمَهُ
فِكْرَهُ الذي اعْتَقَدَا
آهِ مِنْ صريعِ هَوًى
مِنْ جِنَانهِ طُرِدَا
لمْ يَمُتْ بِنَارِكَ بَلْ
مَاتَ قَلْبُهُ كَمَدَا
كَمْ مَشَى بِغُرْبَتِهِ
هَائِمًا بِغَيْرِ هُدَى
ضَاعَ في تَشَتُّتِهِ
لَمْ يَجِدْ لَهُ بَلَدَا
كَمْ أَصَابَهُ عَطَشٌ
في الْأُوامِ قَدْ جُهِدَا(٥)
وَاشْتَهَى الْعَذَابُ، إِلَى
جُذْوَةِ السَّعِيرِ عَدَا(٦)
تَاهَ مِنْ تَلَهُّبِهِ
في جَحِيمِهِ خَلَدَا
وَيْ أَضَلَّهُ قَمَرٌ
في سَمَائِهِ وُلِدَا
في السَّمَا تَرَقَّبَهُ
تِمَّ عُمْرِهِ ارْتَصَدَا(٧)
فَارْتَقَى لِـمَسْكَنِهِ
لِلنُّجومِ قَدْ صَعِدَا
وَالْحَنِينُ سُلَّمُهُ
لِاحْتِوَائِهِ عَمَدَا
سَلْ هَوَاكَ عَنْ لَهِجٍ
في غَرَامِكَ اجْتَهَدا(٨)
فَاضَ بِالنَّحِيبِ دَعَا
ربَّهُ الذي عَبَدَا
قَلْبُهُ الشَّغُوفُ بكى
مُشْتَهَاهُ مُفْتَقِدَا
مَسَّ قَلْبَهُ أَرَقٌ
مِنْ فِراقِهِ سَهِدَا
لَا تُطِلْ تَشَوَّقَهُ
صَبْرُ قَلْبِهِ نَفِدَا
ضُمَّهُ لِـمَسْكَنِهِ
قَبْلَ أَنْ يَضِيعَ سُدَى
سَلْ فُؤَادَ مُحْتَرِقٍ
وَاسْتَشِرْهُ إِنْ وُجِدَا
كَانَ حِضْنُ فَاتِنِهِ
وَهْدَهُ إِذَا رَقَدَا(٩)
غَاصَ في النَّعِيمِ، وَلَمْ
يَهْوَ غَيْرُهُ أَحَدَا
سَلْ إِذَا تُكَذِّبُهُ
حِضْنَكَ الذي زَهَدَا
آتِنِي بِحِضْنِكَ يَا
آسِرِي الذي اعْتَبَدَا(١٠)
علَّهُ يُهَيِّئُ لي
مِنْ عِنَاقِنَا رَشَدَا
سُعِّرَتْ جُهَنَّمُهُ
لي، وَجَمْرُهُ اتَّقَدَا
كَيْ أَرَى حَرائِقَهُ
كَيْ أَذُوقَ مِنْهُ نَدَى
ضُمَّنِي لِتَسْمَعَ مِنْ
رَجْفَةِ الْقُلُوبِ صَدَى
المعاني
(٢) مضطردا: متسارعًا، مستمرًّا.
(٣) شدا: أنشد.
(٤) حدا: تبع.
(٥) الأوام: حرارة العطش.
(6) جذوة: جمرة النار، عدا: جرى.
(٧) تمّ: الشيء التام، ارتصدا: ارتقب.
(٨) لهِج: مولَع.
(٩) وهده: فراشه.
(١٠) اعتبد: اتّخذه عبدا.