عدد أبيات القصيدة
بَدَأْتُ على دَرْبِ الرَّحِيلِ تَنَقُّلُي
أَمُرُّ عَلَى ذِكْرَى الدِّيَارِ، وَأَبْتَلِي
أُعِيدُ شَرِيطَ الذِّكْرَيَاتِ، وَوَهْمُهَا
يُطَارِدُ قَلْبِي في الطَّرِيقِ لِمَنْزِلِي
أُقَلِّبُ عَيْنِي في الْبُيُوتِ، لَعَلَّهَا
تُبَصِّرُنِي في تِيهِ لَيْلٍ مُلَيَّلِ(١)
أَطُوفُ عَلَى حُزْنِ الْأَمَاكِنِ بَعْدَمَا
تَوَارَتْ كَمَنْ يَمْشِي بِحَظْرِ تَجَوُّلِ(٢)
وَأَمْشِي عَلَى حُلْمِ اللقَاءِ بِعَيْنِهَا
وَأَبْقَى عَلَى وَعْدٍ، وَوَهْمِ الْمُخَيَّلِ(٣)
أَرَى في كُهُوفِ الصَّمْتِ طَيْفَ خَيَالِهَا
وَبَيْنَ خُفُوتِ الليْلِ تَضْوِي، وَتَنْجَلِي(٤)
وَيَبْكِي عَليَّ الْعُمْرُ بَعْدَ نِهَايَتِي
دُمُوعَ انْكِسَـــارٍ فَوْقَ حَدِّ تَحَمُّلِي
أَمُوتُ بِبُطءٍ، وَالْمَرِيضُ غَرَامُنَا
وَأَنْسَى بِفِعْلِ الْحُبِّ أَنِّيَ صَيْدَلِي
عَشِقْتُ، وَقَلْبِي في اغْتِرَابٍ لِأَجْلِهَا
وَلَا أَمَلٌ في عِيشةِ الْمُتَبَتِّلِ(٥)
وَتَدْعَمُ يَا قَلْبِي شَرِيكَكَ في الْهَوَى
بِضَعْفِكَ، هَلْ تَنْوِي الشُّرُوعَ بِمَقْتَلِي؟!
أَخَذْتَ لِوَاءَ الْحُبِّ، عَنِّي نِيَابَةً
وَعَانَيْتُ في سِرِّي لِهَذا التَّدَخُّلِ
فَرَضْتَ عَلَيَّ الذُّلَّ عِنْدَ مَحَبَّتِي
وَلَسْتَ لِدَوْرِي في الْهَوَى بِمُؤَهَّلِ
وَضَحَّيْتَ يَا قَلْبِي بِكُلِّ مَصَالِحِي
وَلَسْتَ لِأَخْذِ قَرَارِنَا بِمُخَوَّلِ(٦)
أَلَمْ نَتَّفِقْ يَوْمًا لِهَجْرِ حَيَاتِهَا؟!
وَمَنْ قَالَ أَنْ تَلْتَاعَ دُونَ تَعَقُّلِ؟!
خَسِرْتَ لِأَنَّ الصِّدْقَ ضَاعَ زَمَانُهُ
وَلَا شَيْءَ في الدُّنْيَا بِغَيْرِ مُعَرْقِلِ
وَلَوْ كُنْتَ يَا مَنْ قَدْ غَدَرْتَ رَجَعْتَ لِي
لَلُذْتُ أَسًى بِالْعُذْرِ، أَوْ بِالتَّعَلُّلِ(٧)
وَمَا قِيمَةُ الشَّكْوَى لِقَلْبٍ أَذَلَّنِي؟!
فَهَلْ عَادَ مَاءُ الْوَجْهِ بَعْدَ التَّذَلُّلِ؟
تَبَرَّأْتُ مِنْ قَلْبِي الشَّغُوفِ بِحُبِّهَا
وَأَعْلَنْتُ مِنْ عَهْدِ الْوِصَالِ تَنَصُّلِي(٨)
وَأَرْجِعُ أَدْرَاجِي، أَجُرُّ مَتَاعِبِي
وَأَفْشَلُ مِنْ لِينِي، وَفَرْطِ تَسَهُّلِ(٩)
تَخَلَّصْتُ مِنْ حُزْنِي، مَنَعْتُ مَشَاعِرِي
وَمَا زِلْتَ يَا قَلْبِي تَجُودُ بِمُشْكِلِ
أَخَذْتُ نَصيبي مِثْلَ مَنْ فَتَكْتْ بِهِمْ
وَمَا كَانَ قَلْبِي عَنْ جَفَاهَا بِمَعْزِلِ(١٠)
حَصَدْتُ بُطُولَاتِ الْحَنِينِ، وَأَكَّدَتْ
دُمُوعِي لِأَدْوَارِ الْخِتَامِ تَأَهُّلِي
وَخُضْتُ مُبَارَاةَ اعْتِزَالٍ لِحُبِّهَا
نَتِيجَتُهَا عَارٌ بِدُونِ تَعَدُّلِ(١١)
وَبَعْدَ انْتِصَارِي، عُدْتُ أُعْلِنُ خَيْبَتِى
وَمَا قِيمَةُ الْأَهْدَافِ بَعْدَ تَسَلُّلِ؟!
أَيَا مَنْ هَزَمْتَ الْحُبَّ شَرَّ هَزِيمَةٍ
كَفَاكَ احْتِفَالٌ؛ فَانْتِصَارُكَ مَرْحَلِي
تَمَهَّلْ بِمِشْوَارِ الْحَيَاةِ هُنيْهَةً
فَلَنْ تَبْلُغَ الْآفَاقَ دُونَ تَمَهُّلِ(١٢)
وَبَعْضُ الْهَوَى بِالْكَادِ نَأْمَنُ غَدْرَهِ
وَبَعْضٌ عَلَيْنَا قَدْ يُخِيلُ، وَيَنْطَلِي(١٣)
وَرِحْلَةِ صَيْدٍ يَا أُسَامَةُ هَوَّنَتْ
عَلَيَّ بِأَوْقَاتِ الْفَرَاغِ تَمَلْمُلِي
تُجَمِّعُ في الْأَصْحَابِ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ
تُقرِّبُ خُلَّانًا تُعِيدُ تَشَكُّلِي
نُغِيرُعَلَى زَوْجِ الْأَرِيل، وَنَنْتَهِي
بِفَخٍّ عَلَى سَفْحِ التِّلَالِ، وَمِنْ عَلِ(١٤)
وَأَصْحَابُ عُمْرِي في التِّلَالِ تَمَرْكَزُوا
بِمَوْقِعِ قَنْصٍ في السُّهُولِ مُبَدَّلِ(١٥)
وَتَخْتَالُ غزلانُ الْفَلَاةِ كَأَنَّهَا
تُرَغِّبُنَا في عُودِهَا الْمُتَمَيِّلِ(١٦)
تُراقبُنا مِنْ كُلِّ حَدْبٍ بِلَحْظِهَا
وَمقلةِ عَيْنٍ مِثْلِ جَوْزَةِ قَسْطَلِ(١٧)
وَتَمْرُقُ مِثْلَ السَّهْمِ بَيْنَ رُبُوعِهَا
وَتَفْلِتُ مِنَّا كَالْبُرَاقِ الْمُهَرْوِلِ(١٨)
نَكُفُّ، فَتَنْسَانَا، وَقَدْ أَمِنَتْ، وَمَا
تَوَقَّتْ إِذَا مَا اسْتَرْوَحَتْ بِتَدَلُّلِ(١٩)
كَكَرِّ الْهُنُودِ الْحُمْرِ نَعْدُو وَرَاءَهَا
نُقِيمُ لَهَا رُعْبًا بِصَوْتٍ مُجَلْجِلِ(٢٠)
وَنَدْفَعُهَا نَحْوَ الشِّرَاكِ كَأَنَّنَا
نُطَوِّقُ جَيْشًا مِنْ كَتَائِبِ (هِرْقِلِ)(٢١)
وَنَرْسُمُ في قَلْبِ الرِّمَالِ حُدُودَهَا
كَمَا يَرْسُمُ التِّلْمِيذُ قَوْسًا (بِبَرْجَلِ)(٢٢)
فَلَاذَتْ بِقَاعٍ تَسْتَكِينُ بِحُفْرَةٍ
تَغَطَّتْ بِعُشْبٍ خَادِعٍ، وَمُضَلِّلِ(٢٣)
هَوَتْ مَا هَوَتْ فِي الْفَخِّ نَحْوَ شِبَاكِنَا
كَوْقْعِ أَسِيرٍ بِالْقُيُودِ مُكَبَّلِ(٢٤)
وَتَسْنَحُ مِنْ بَعْدِ التَّمَلُّصِ فُرْصَةٌ
لَهَا نَحْوَ فَكِّ الْأَسْرِ كَالْمُتَسَلِّلِ(٢٥)
وَنَسْطُو عَلَى مَا قَدْ يُطِيلُ حَيَاتَهَا
وَنَطْعَنُهَا بِالْخَنْجَرِ الْمُتَوَغِّلِ
نَهَايَةُ مَنْ تَحْيَا بِسِحْرِ جَمَالِهَا
كَمُجْرِمِ حَرْبٍ في الْحِبَالِ مُجَدَّلِ(٢٦)
وَكُلُّ رَقِيقٍ في الْحَيَاةِ تَمَامُهُ
فَنَاءٌ سَرِيعٌ كَالْمُصَابِ بِمَقْتَلِ
مُغَامَرَتِي خَلْفَ الْغَزَالِ كَأَنَّهَا
مُصَارَعَةُ الثِّيرَانِ عِنْدَ طُلَيْطِلِي(٢٧)
عَلَى الْأَرْضِ تَخْطُو في الظِّلَالِ يَمَامَةٌ
تُنَقِّبُ في الْكُثْبَانِ لَمْ تَسْتَكْسِلِ(٢٨)
هَجَمْنَا عَلَيْهَا فِي الْعَرَاءِ بِحُقْنةٍ
نَسُدُّ مَرَامِي سِنِّهَا الْمُتَخَلِّلِ
وَنَسْحَبُ أَجْزَاءَ الْمَحَاقِنِ نَحْوَهَا
فَتُصْبِحُ مِنْ ضَغْطِ الْهَوَا كَمُنَبِّلِ(٢٩)
وَأَحْمِلُ لِلطَّيْرِ الْمُهَاجِرِ فَوْقَنَا
نَصِيبًا مِنْ الصَّيْدِ الْمُعَدِّ بِجَدْوَلِي
أُطَارِدُ فِي صَحْنِ السَّمَاءِ فَرَائِسِي
وَمَا بَيْن عُشْبٍ، أَوْ بِجَانِبِ جَدْوَلِ
المعاني
(٢) توارت: غابت.
(٣) وهم المخيّل: وهم ما خيّلت نفسي لي.
(٤) تضوي: تأتي ليلًا، تنجلي: تنكشف.
(٥) المتبتّل: الزاهد.
(٦) بمخوّل: بصاحب سلطة أو تصريح.
(٧) للذت: لهربت أو التجأت إلى.
(٨) تنصّل: تملّص أو تبرّؤ.
(٩) فرط تسهّل: سهولة شديدة.
(١٠) معزل: بعيد عنه..
(١١) تعدّل: تحسّن.
(١٢) هنيهة: لحظة قصيرة.
(١٣) يُخيل علينا: يخدعنا، ينطلي علينا: ننخدع به.
(١٤) الأريل: نوع من الغزال.
(١٥) مبدّل: تبادليّ.
(١٦) الفلاة: الصحراء أو الأرض المقفرة، المتميّل: المتمايل أو المتبختر.
(١٧) حدب: جهة، قسطل: الكستناء أو أبو فروة.
(١٨) تمرق: تجري نافذة كالسهم، ربوع: أنحاء، البراق: دابّة المعراج.
(١٩) توقّت: حذرت وتجنّبت، استروحت: استراحت أو تبخترت.
(٢٠) مجلجل: مدوّ كالرعد.
(٢١) الشراك: الفخاخ، هرقل: اسم لملك الر وم.
(٢٢) برجل: فرجار أو برجار.
(٢٣) تستكين: تخضع.
(٢٤) هوت: سقطت.
(٢٥) تسنح: تتاح أو تتهيّأ، التملّص: التهرّب أو الإفلات.
(٢٦) مجدّل: صريع.
(٢٧) طليطلي: نسبة إلى مدينة طليطلة.
(٢٨) تستكسل: تعتلّ بوجوه الكسل.
(٢٩) منبّل: من يناول النبل ليرمى به.