عدد أبيات القصيدة
زِدْنِي حَدِيثًا كَيْ يَطِيبَ الْـمَجْلِسُ
وَاذْكُرْ هَوَاهَا عَلَّنَا نَسْتَأْنِسُ
وَاقْصُصْ لَنا في جُنْحِ لَيْلٍ قِصَّةً
عَنْ حُسْنِـهَا كَيْ لَا يَنَامَ النُّعَسُّ
وَاسْرُدْ حِكايَاتِ الْهَوَى، بَلِّغْ بـِهَا
عِشْقِي لَهَا لَعَلَّ عِشْقي يَلمِسُ
وَبُحْ لَهَا عَنْ شَوْقِنَا مُسْتَرسِلًا
وَكُنْ كَمَنْ ذَاقَ الْهَوَى لَا يَبْخَسُ
وَاسْتَوْصِ بِالذِّكْرَى إِذَا خَبَّرْتَهَا
عَنَّا، مَتَى فَاضَ الْكَلامُ الْكَيِّسُ
يَا قَلْبُ يَا مَنْ في هَوَاهَا تَكْتَوي
فِيمَ الْبُكا قَدْ خَابَ مَنْ يَستَيْئِسُ
أَنْتَ الذي في جَنَّةٍ مِنْ عِشْقِهَا
قُلْ لي لِـمَاذا مِنْ هَوَاها تَيْأَسُ
تَقْنَطُ مِنْ وِصَالِهَا تَشْكو كَمَنْ
يَرْكُلُ نِعْمَةَ الْهَوَى، وَيَرْفُسُ
لَا تَخْتَنِقْ مِنْ نَأْيِـهَا إنَّ الْهَوَى
في حَدِّ ذَاتِهِ لَنَا تَنَفُّسُ
لَا تَبْتَئِسْ مِنْ هَجْرِها كُنْ طَيِّبًا
وَاكْتُبْ لَهَا لَعَلَّ دَمْعي يُحْبَسُ
وَادْعُ ابْتَهالًا أَنْ تَرَاهَا مِثْلَمَا
في بَطْنِ حُوتٍ كانَ يَدْعو (يُونُسُ)
يَكْفِيكَ فَخْرًا أَنْ تَعيشَ قِصَّةً
مِنْ طِيبِ ذِكْرَاهَا تَمِيلُ الْأَنْفُسُ
فَاصْبرْ (كَأَيُّوبَ)، وَثِقْ في حُبِّـهَا
بِالصَّبرِ أَرْضُ الْـمُغْرَمينَ تُشْمِسُ
وَازْدَدْ مَحَبّةً، وَهِمْ عِشْقًا بِهَا
فَأَيُّ حُبٍّ دُونَـهَا مُدَلَّسُ
فَاتِنَةٌ، وَأَنْتَ قَدْ أَدْمَنْتَـهَا
في فُلْكِها تَجْري الْجَواري الْكُنَّسُ(١)
فكَيْفَ نَنْساها إِذَا كُنَّا مَعًا
نَئِنُّ مِنْ فِرَاقِهَا، وَنَتْعَسُ
وَكُلَّما نَبْعُدُ عَنْ عُيونِـهَا
يَجْذِبُنا صَحْنُ الْخُدودِ الْأَمْلَسُ
يَسْري بِعُمْقي، وَشُعُورِي طَيْفُهَا
وَبِاسْمِهَا كُلُّ الْخَلَايَا تَهْمِسُ
ذيَّاكَ قَلْبُـهَا الْحَنونُ مَسْكَنٌ
وَمَأْكلٌ، وَمَشْرَبٌ، وَمَلبَسُ(٢)
فَاتِنَةٌ إنْ قَبَّلتْ كَأْسَ الْهَوَى
أَغْوَاهُ مِنْ إِغْرائِـهَا تَلَمُّسُ
سَالَ الرُّضابُ الْعَذْبُ مِنْ تَقْبِيلِهَا
مِنْ شَهْدِهِ مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَكْؤُسُ(٣)
أَقُولُ في حَضْرتِـهَا يَا لَيْتَني
كَالْكَأْسِ في مَروَى الشِّفَاهِ أُغْرَسُ(٤)
تُمْطِرُ مُوسيقَا، شَهِيٌّ صَوْتُـهَا
تَمَايَلتْ لَهُ الصَّبَايا الـْمُيَّسُ(٥)
تُرَى تَنَدَّى وَجْهُهَا مِنْ حَبِّ مُزْ
نٍ في السَّمَا؛ لِذَا يَطِيبُ الْـمَلْمَسُ؟(٦)
تَسُحُّ طِيبًا؛ وَتَرَى إِحْسَاسَهَا
يَغُوصُ في أَعْمَاقِنَا، وَيَغْطِسُ
إذا رَأَيْنَاهَا نَخَالُ عِطْرَهَا
مِنْ جَنَّةِ الـْمَأْوَى، شَذَاهُ النَّرْجِسُ(٧)
سَوْسَنَةٌ بِذِكْرِ طِيبِ مِسْكِهَا
مَالتْ لَهَا الْأُنُوفُ، مَالَ الْـمَعْطَسُ(٨)
إنْ أَقْبَلَتْ؛ فكُلُّنَا خُدَّامُهَا
عَيْنٌ تُلَاغِيـهَا، وَعَيْنٌ تَحْرُسُ
يَغَارُ مِنْ عُيونِـهَا لَيْلٌ، وَمِنْ
حَرِيرِ شَعْرِهَا يَغَارُ السُّنْدُسُ
إذا احْتَوَى دِيوَانُنا وَصْفًا لَهَا
أَحَبَّـهَا غُلَافُهُ، وَالْفِهرِسُ
وَشِعْرُنا لِغَيْرِهَا رِجْسٌ بِنَا
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ يُركِّسُ(٩)
رُحْمِاكِ يَا شَهْدَ الْقَوَافي هَلْ تُرَى
مِنْ نَارِ عَيْنَيْكِ الْـمَعاني تُقْبَسُ
مَازِلْتَ يَا قَلْبي تُغَنِّـي بَائِسًا
تَخْشَى غَرَامًا في الْهَوَى، تُوَسْوِسُ
تَسْمَعُ مِنْ ذَاكَ، وَذَاكَ قِصَّةً
كَأَنَّ مَا تَسْمَعُهُ مُقَدَّسُ
كَوَاعِظِ الْحُكَّامِ خِلْتَ وَعْظَهُ
يَهْدي، وَكُلُّ وَعْظِهُ مُسَيَّسُ(١٠)
أَنْتَ كَمَنْ يَسْنُدُ ظَهْرَهُ عَلَى
جِدارِ قَشٍّ حَشْوُهُ مُسَوَّسُ
يَا بْنَ دَمِي يَكْفِيكَ في الْحُبِّ أَذًى
شَرًّا تَوَهَّمْتَ لِـمَاذَا تَحْدُسُ(١١)
تُقَدِّمُ الْخُّطَى تَعُودُ خَائِفًا
في حُبِّهَا يَسْكُنُكَ التَّحَسُّسُ
تَأْخُذُ وَقْتًا في اكْتِشَافِ قَلْبِهَا
تُرَتِّبُ الْأُمورَ، أَوْ تُهَنْدِسُ(١٢)
أَتْعَبَنا تَرَدُّدٌ، وَرَابَنَا
شُعُورُكَ الْـمُفَخَّخُ الـْمُدَسَّسُ
مَازِلْتَ مَذْعُورًا، وَتَخْشَى قُرْبَهَا
تَدْرُسُ فِكْرَةَ الْهَوَى، وَتَهْرُسُ(١٣)
بَخٍ بَخٍ بِمَا اخْتَرَعْتَ مِنْ هَوًى
يَا صَاحِبي إِنَّ الْهَوَى لَا يُدرَسُ(١٤)
أَجْرِي عَلى اللهِ؛ فَخُذْ مَوْعِظَةً:
“في الْعِشقِ لَا عِلْمٌ، وَلَا تَمَرُّسُ”(١٥)
خُذْهَا، وَدَوِّنْ سَيِّدِي قَاعِدَةً:
“في الْحُبِّ لَا حَدْسٌ، وَلَا تَفَرُّسُ”(١٦)
وَالْحُبُّ في أَعْمَاقِنَا لَيْسَتْ لَهُ
خَريطَةٌ أَوْ وَصْفَةٌ أَوْ أَطْلَسُ
أَطْلِقْ شِراعَ الْقَلْبِ في بَحْرِ الْهَوَى
لَا يَرْبَحُ الْأَقْوَامُ لَوْ تَوَجَّسُوا
كُنْ مِثْلَ قَوْمٍ لَوْ تَعَرَّى قَلْبُهُمْ
مَا هَمَّهُمْ فِي الْعِشْقِ إِنْ لَمْ يَكْتُسُوا
تَخْافُ يا قَلْبي إِذا أَحْبَبْتَهَا
يَحُلُّ شامِتٌ عَلَيْنا، يَكْبِسُ(١٧)
تَعْشَقُ في السِّرِّ، وَتُخْفِي عِشْقَهَا
تُغلِّقُ الْأَبْوابَ أَوْ تُتَرِّسُ(١٨)
تُخْفِي عَلَيْها مَنْ أَنَا؟ يَا لَكَ مِنْ
لِصٍّ جَبَانٍ دَاؤُهُ التَّخَلُّسُ!(١٩)
المعاني
(٢) ذيَّاكَ: تصغير ذاكَ.
(٣) الرضاب: الرّيق المرشوف.
(٤) مروى: القناة التي يُسقى بها الزرع.
(٥) مُيّس: متمايلة (ولها غدائرُ حلّكٌ فوق الروادف مُيَّسٌ “ابن الرومي”).
(٦) حبّ المزن: البَرَد.
(٧) نخال: نظنّ.
(٨) المعطس: الأنف.
(٩) يركّس: يردّ، ينكّس.
(١٠) خِلتَ: ظننت.
(١١) تحدس: تحزر.
(١٢) تهندس: تصمّم.
(١٣) تهرس: تسحقها (تدرسها بنهم).
(١٤) بخٍ بخٍ: للإعجاب.
(١٥) تمرّس: تدرّب، خبرة بعد طول احتكاك.
(١٦) تفرّس: تأمّل، تحقّق، تثبّت.
(١٧) يكبس: يهجم علينا.
(١٨) تترّس: تغلّق الباب بالترس.
(١٩) التخلّس: السرقة خلسة.