قصيدة على وضعك

Home » منتدى القصائد » قصيدة على وضعك

عدد أبيات القصيدة

٥٤

لَمْ أَتَخَيَّلْ أَنْ أَتَعَايَشَ

في الْأَوْجَاعِ بِهَذَا الْبُؤْسْ

 

أَفْعَلُ أَشْيَائِي.. الْيَوْمِيَّةَ

دُونَ شُعُورٍ، وَبِلَا حِسّْ

 

أَشْعُرُ وَحْدِي..

بِمَرَارَاتِ الصَّدْمَةِ، وَالْحُزْنِ الْـمُنْدَسّْ(١)

 

وَالنَّفْسِيَّةُ صِفْرٌ،

وَعَلَى وَضْعِي في الْـمَأْسَاةِ..

أَدُورُ وَحِيدًا دَاخِلَ تُرْسْ

 

مُنْعَزِلٌ في الْغُرْفَةِ وَحْدِي

أَتَحَاشَى نَظَرَاتِ الْعَالَمِ

أَدْفِنُ نَفْسِي..

أَتَهَرَّبُ مِنْ وَجَعِ الرَّأْسْ

 

أَنْظُرُ في الْـمِرْآةِ،

وَأَهْرُبُ مِنْ مَسْخِي،

وَبَقَايَا الطَّمْسْ(٢)

 

لِا إِحْسَاسَ لَدَيَّ،

وَلَا أَشْيَاءَ لَدَى الْأَشْيَاءِ،

وَعَقْلِي يَبْدَأُ في الْهَذَيَانِ،

وَيَدْخُلُ في نَوْبَاتِ الْهَلْسْ(٣)

 

وَالْأَفْكَارُ تَلَاشَتْ مِنِّي

في تَجْرِبَةِ الْعُزْلَةِ..

في مَنْفَايَ الصَّامِتِ..

سُحِبَتْ في آلَاتِ الْكَنْسْ(٤)

 

تَنْزَحُ هَلْوَسَةٌ في رَأْسِي

تَتَرَاكَمُ أَصَوَاتُ الْخَبْطِ،

تُفَرْتِكُ عَقْلِي.. الْـمُتَكَدِّسْ(٥)

 

وَشَهِيَّةُ رُوحِي لِلْعِشْرَةِ مَاتَتْ..

في حَادِثةٍ لِلدَّهْسْ

 

وَاللَّوْحَاتُ عَلَى الْجُدْرَانِ

تُرَاقِبُنِي..

أَسْحَبُ نَفْسِي.. شَيْئًا..شيئًا

مِنْ أَيَّامِي..

أَتَكَوَّمُ في حَالَةِ يَأْسْ

 

مُنْزَلِقٌ في الْعُزْلَةِ.. لِلْأَعْمَاقِ

أَسِفُّ التًّرْبَةَ..

أَلْحَسُ أَتْرِبَةَ الْأَوْهَامِ،

وَأَهْلَكُ مِنْ بَهْدَلَةِ السَّفِّ،

وَمْنْ بَهْدَلَةِ اللَّحْسْ

 

وَخَيَالَاتُ الْوَهْمِ تُعشِّشُ

في تَفْكِيرِي..

وَأَرَى أَصْوَاتَ الْعَقْلِ

قَبِيلَةَ خُرْسْ

 

وَالْوَحْدَةُ تَصْحَبُني

في زِنْزَانَتِهَا الْفَرْدِيَّةِ

لَا أَسْمَعُ إِلَّا أَنْفَاسِي..

وَالْخَطْوَاتِ،

وَخَفْقَ النَّبْضِ الْهَارِبِ مِنِّي،

وَنِدَاءَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسْ

 

لَا أَذْكُرُ تَارِيخَ الْيَوْمِ،

وَمُنْذُ مَتَى غَادَرْتُ السِّجْنَ،

وَمُنْذُ مَتَى بِالضَّبْطِ

لَـمِسْتُ شُعَاعَ الشَّمْسْ

 

حِينَ أُجَرُّ إِلَى الْإِفْرَاجِ مَعَ الْأَصْحَابِ

أُشدِّدُ حُكْمَ الْحَبْسْ

 

وَكَلَامِي مُقْتَضَبٌ،

وَالضِّحْكَةُ مِنْ تَحْتِ الضِّرْسْ

 

نُطْقِي رِجْسٌ

مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ،

وَصْمْتِي الْآخَرُ رِجْسْ

 

حُكْمُ النَّفْسِ..

عَلَى أَشْلَاءِ النَّفْسْ

 

لَمْ أَتَخَيَّلْ..

أَنْ تَمْتَدَّ جُذُورُ حَيَاتِي

في أَعْمَاقِ الْـمَوْتِ الْـمُفْرِطِ،

أَنْ أَكْتَشِفَ الْأَرْضَ

بِهَذَا الْيُبْسْ

 

أَبْلَعُ أَقْرَاصِي الطِّبِيَّةَ

أَنْسَى أَيَّامِي الـمَنْسِيَّةَ

أَبْلَعُ دَاخِلَ جَوْفِي أَلَـمِي..

أَنْفُضُ مَا في دَاخِلِ رَأْسِي

مِنْ خَطْرَفَةِ الْـمَسّْ(٦)

 

أُدْمِنُ مِنْ وَقْتٍ لِلْآخِرِ

صَمْتِي

أَهْرُبُ.. في مِفْرَمَةِ الْحُزْنِ

بِكَامِلِ وَعْيِــي..

لَا أَتَأَلَّمُ بَعْدَ الْفَرْمِ،

وَأَحْمِلُ عَارَ الْأَسْرَى..

يَعْتَادُونَ الْقَهْرَ،

وَيَعْتَادُونَ بِحَوْضِ الْـمَاءِ

الْغَمْسْ(٧)

 

لَا مَعْنًى لِلْحُزْنِ لَدَيَّ،

وَلَا مَعْنًى لِلرَّغْدِ،

وَرُوحِي آثَارٌ غَارِقَةٌ

تُنْهِكُ دَوْمًا فِرَقَ الْغَطْسْ

 

أَتَقَزَّمُ في ثَوْبِي الْفَضْفَاضِ،

وَأَصْغُرُ..

أَصْغُرُ مِثْلَ الطِّفْلِ..

وَمِثْلَ حُبَيْبَةِ عَدْسْ

 

مُنْكَسِرٌ.. وَأُطَأْطِئُ رَايَاتِي..

وَأُجَهِّزُ أَعْلَامِي.. لِلنَّكْسْ

 

وَحَيَاتِي تَغْرَقُ في وَقْفَاتِ

حِدَادٍ..

لَا شَيْءَ يَفُكُّ النَّحْسْ

 

وَعَلَى وَضْعِكَ..

في أَزْمَانِ التِّيهِ

وَحِيدٌ أَنْتَ، وَتَجْنِي رُوحُكَ

مَا فَعَلَتْ بِالْأَمْسْ

 

مَوْجُودٌ في هَيْئَةِ وَهْمٍ

وَعْيُكَ يَهْرُبُ لِلْمَجْهُولِ،

وَأَحْلَامُكَ تَحْدُثُ بِالْعَكْسْ

 

صِدْقُ الشَّكِّ يُؤَكِّدُ حَدْسِي..

حِينَ أُصَدِّقُ وَعْدًا..

أَتَجَرَّعُ مِنْ نَفْسِ الْكَأْسْ

 

وَعَلَى وَضْعِكَ..

في اللَّاإِحْسَاسِ،

غَرِيبٌ أَنْتَ أَمَامَ النَّاسِ،

وَسُعْرُكَ بَخْسْ

 

مَهْمَا حَاوَلْتَ بِلُطْفٍ

إِيضَاحَ بَشَاعَةِ سِجْنِكَ

يَضْحَكُ جُمْهُورُكَ..

يَحْدُثُ رَغْمًا عَنْكَ اللَّبْسْ(٨)

 

وَكَمَا كُنْتَ..

تُقَاوِمُ نَفْسَكَ، وَاسْتِعْبَادَكَ..

وَاسْتِسْلَامَكَ لِلْأَفْكَارِ..

تُقَاوِمُ..

وَالتَّيَارُ شَرِسْ

 

تَسْقُطُ آلَافَ الْـمَرَّاتِ

إِذَا صَدَّقْتَ بِأَنَّكَ في الدُّنْيَا

تَتَعَلَّمُ مِنْ نَفْسِ الدَّرْسْ

 

وَعَلَى وَضْعِكَ..

تَصْرُخُ في ذَاتِكَ،

وَالْعَالَمُ حَوْلَكَ هُسّْ(٩)

 

تَصْرُخُ كَالْكَرَوَانِ، وَتَبْكِي..

وَنِتَاجُ صُرَاخِكَ هَمْسْ

 

حَظُّكَ مِثْلُ وَجِيعَةِ

آخِرِ فَرْخِ كَنَارِيٍّ مَهْضُومِ الْحَقِّ،

وَمضْطَهَدٍ مِنْ أُخْوَتِهِ..

في وَجْبَتِهِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَقْسْ(١٠)

 

يُنْشِدُ بُؤْسًا..

وَيُغَنِّي (صَوْصَوَةَ) الْـمَوْتِ،

وَيُطْلِقُ أَنَّاتِ الْجَرْسْ(١١)

 

وَعَلَى وَضْعِكَ..

مَقْهُورٌ في أَوْجَاعِكَ،

وَالنَّاسُ تَرَاكَ كَأَنَّكَ نِمْسْ(١٢)

 

تَنْتَظِرُ الْـمَوْتَ الْـمَأْلُوفَ

وَصَدْمَةُ وَاقِعِ عَجْزِكَ طَسّْ

 

مَذْعُورٌ مِنْ دَاخِلِكَ الْآنَ،

وَمَرْعُوبٌ..

تَدْفِنُ عُمْرَكَ

تَحْتَ شُعُورِ الْخَوْفِ،

وَتَدْفِسُ رَأْسَكَ..

تَحْتَ رِمَالِ الضَّعْفِ،

وَتُدْمِنُ في الْأَزَمَاتِ الدَّفْسْ(١٣)

 

تَتَلمَّسُ شَرْيَانَ يَدَيْكَ

تُجَامِلُ سِكِّينَكَ بِاللَّمْسْ

 

تَتَحَسَّسُ حَبْلَ الْإِعْدَامِ،

وَطُولَ الْوَقْتِ..

يَدَاكَ كَمَا أَنْتَ تَجُسّْ

 

تَكْتَشِفُ الْأَمْرَ مَعَ الْوَقْتِ

بِأَنَّ الْفِكْرَةَ مِثْلُ الْبِذْرَةِ

حَتَّى فِكْرَةُ مَوْتِكَ

تَحْتَاجُ إِلَى الْغَرْسْ

 

هُرِسَتْ فِكْرَةُ مَوْتِكَ

في آلَافِ الْأَفْلَامِ

تَمُوتُ الْفِكْرَةُ شَيْئًا..

شَيْئًا

أَخَذَتْ وَقْتًا في التَّطْبِيقِ،

وَملَّتْ أَشْوَاطُ الْعُمْرِ بِهَذَا الْهَرْسْ(١٤)

 

وَمَزِيدٌ مِنْ نَكَبَاتِ حَيَاتِكَ

إِنْ زَادَتْ.. لَا بَأْسْ

 

لَمْ أَتَخَيَّلْ..

أَنْ تَشْتَعِلَ الْيَوْمَ حُرُوبُكَ

في وَقْتِ السِّلْمِ،

وَأَنْ تَنْطَفِئَ الْآنَ حَيَاتُكَ

أَنْ تُخْمَدَ في حَضْرَةِ كِسْرَى

نَارُ الْفُرْسْ(١٥)

لَمْ أَتَخَيَّلْ أَنَّ الْبُعدَ طَوَاعِيَةً

عَنْ نَافِذَةِ الصُّبْحِ،

وَأَنَّ الْعُزْلَةَ في الظُّلُمَاتِ

بِهَذَا الْقُدْسْ

 

لَمْ أَتَخَيَّلْ..

أَنْ أَعْتَادَ عَلَى مَأْتَمِ حُزْنِي،

وَتَصِيرَ الْوَحْدَةُ حَفْلَةَعُرْسْ

 

أَنْ تَتَطَايَرَ ذَاكِرَةُ الْبَهْجَةِ

في أَيَّام الْأُنْسْ

 

لَمْ أَتَخَيَّلْ..

أَنْ تَتَبَخَّرَ مُوسِيقا (يَانِّي)

مِنْ رَأْسِي..

أَنْ يَحْتَرِقَ الْحُبَّ،

وَعِشْقِي.. لِقَصَائِدِ (قَيْسْ)(١٦)

 

أَنْ أَتَأَقْلَمَ..

رَغْمَ خُطُورَةِ هَذَا الطَّقْسْ

 

أَنْ أَعْتَادَ عَلَى لَعَنَاتِ السِّحْرِ،

وَأَلَّا تُرْهِبَنِي..

شَعْوَذَةُ الْحُزْنِ الْـمُتَمَرِّسْ(١٧)

 

لَمْ أَتَخَيَّلْ..

أَنْ أَتَسَاقَطَ كَالْأَوْرَاقِ

مِنَ الْأَشْجَارِ ،

وَأَفْتَحَ قَوْسًا

كَيْ أَكْتُبَ عَنْ حُلْمِي بِالطَّيَرَانِ،

وَأَقْفِلَ بَعْدَ تَحَطِّمِ

هَذَا الْحُلْمِ الْقَوْسْ

المعاني:

(١) مندسّ: متسلّل خفية.

(٢) مسخ: قبح، مشوَّه الخِلقة، طمس: تشويه، محو، حجب، الشيء المستأصل.

(٣) هذيان:التكلّم بغير تفكير، هلس: هذيان.

(٤) آلات الكنس: المكانس الكهربيّة.

(٥) خبط: ضرب ودقّ شديد، متكدّس: متجمّع ومتكوّم، تفرتك: تفتّت وتقطّع.

(٦) خطرفة: هذيان.

(٧) مفرمة: آلة الفرم.

(٨) اللبس: الالتباس والتشوّش.

(٩) هسّ: صوت لإسكات الآخر.

(١٠) آخر فرخ كناريّ: أصغر وليد لفرخ الكناريّ، وغالبا ما يموت جوعا لعدم وصول كفايته من الغذاء.

(١١) صوصوة: يقصد بها زقزقة.

(١٢) كأنّك نمس: تعبير للدلالة على الألمعيّة وسرعة البديهة.

(١٣) دفس: إخفاء.

(١٤) هرست الفكرة: تعبير يقصد به استخدمت هذه الفكرة أو الحيلة أكثر من مرّة وأصبحت معادة ومكرّرة.

(١٥) كسرى: لقب كان يُطلق على ملك الفرس قديما.

(١٦) يانّي: مؤلّف موسيقي من أصل يوناني، قيس: قيس بن الملوّح “شاعر عربي قديم”.

(١٧) متمرّس: متدرّب ذو خبرة.

تحقق أيضا من

قصيدة حكاية قبل النوم

وعدتُ كما قد أتيتُ إليكِ.. وحيدًا.. وحيدًا.. لأحملَ عاري