عدد أبيات القصيدة
قَلْبِي أَتَى حِضْنَكَ مُسْتَسْمِحا
كَالطِّفْلِ مَذْعُورًا بَكَى مَا اسْتَحَى
يَنُوبُ عَنْ عَاشِقَةٍ في الْهَوَى
عَنْهَا نَأَى عَاشِقُها، وَانْتَحَى(١)
تَحْبِسُ وَقْتَ الْقُرْبِ دَمْعَاتِهَا
تُمْطِرُ في هِجْرَانِهِ سَحْسَحَا(٢)
آهٍ هَرَاقَتْ في دَلًى دَمْعَهَا
بَحْرًا، وَفي أَحْدَاقِهَا مَسْبَحَا(٣)
تَكُرُّ سَكْبَ الدَّمْعِ هَمْرًا، وَوَجْـ
ـهُهَا بِأَمْطَارِ الدُّمُوعِ الْتَحَى(٤)
هَمَّتْ تُريحُ الْعَيْنَ؛ فَاغْرَوْرَقَتْ
مَا أَخْمَدَتْ عُيُونَهَا النُّوَّحَا(٥)
وَيْلٌ لَهَا مِنْ عِشْقِهَا مُذْ غَدَا
مَعْشُوقُهَا في الْقَلْبِ مُسْتَمْلَحَا(٦)
قَلْبِي خَفِيفٌ خَائِبٌ بَائِسٌ
يَعِجّ بِالْأَعْذَارِ إِنْ صَرَّحَا(٧)
يَخُرُّ مُشْتَاقًا، وَمَعْشُوقُهُ
أَدْمَى بِحَارَ جَوْفِهِ النُّضَّحَا(٨)
يَخْرُجُ عَنْ سَيْطَرَتي شَارِدًا
وَذَاكَ ذِقْنِي حَالَ إِنْ أَفْلَحَا(٩)
دَنَا لِحِضْنٍ مِثْلَ صَادٍ طَوٍ
وَجَمْرُ نَارِ شَوْقِهِ فَحْفَحَا(١٠)
قَدْ غَاصَ مِثْلَ الْقِطِّ في رُدْنِهِ
قَدِ ارْتَمَى في صَدْرِ مَنْ سَرَّحَا
دَنَا إِلَى كَوْنٍ رَحِيبٍ، رَأَى
في رَوْضِهِ مَلَاذَهُ الْأَفْيَحَا(١١)
مَدَّ الْخُطَى مُعْتَذِرًا نَادِمًا
مَا خَافَ بِالتَّصْرِيحِ أَنْ يُفْضَحَا
وَأَسْهَبَ الرَّغَّاءُ في شَرْحِهِ
وَأَرْحَبَ الْأَسْبابَ، قَدْ رَحْرَحَا(١٢)
قَبَّلَهُ، وَبَخْرُ أَنْفَاسِهِ
رَقْرَقَ كَالْيَلْمَعِ أَوْ ضَحْضَحَا(١٣)
وَبَاحَ عُذْرًا بَاكِيًا نَادِمًا
وَأْوَأَ في ذَا الْحِضْنِ قَدْ وَحْوَحَا(١٤)
نَامَ قَرِيرَ العَيْنِ في دِفْئِهِ
نَامَ غَرِيرًا هَانِئًا مَا صَحَا
قَلْبِي عَلَى نِيَّاتِهِ سَاذَجٌ
إِنْ لَدَّهُ حَبِيبُهُ نَوَّحَا(١٥)
قَلْبِي غَرِيبُ الطَّوْرِ إِنْ مَسَّهُ
ذِكْرٌ لِوَسْوَاسِ الْخِصَامِ امَّحَى
زَقْزَقَ مِطْرَابًا، وَرَغْمَ الْأَسَى
يَقْفِزُ صَدَّاحًا إِذَا اسْتَصْفَحَا(١٦)
جَبَّرَ كَسْرِ كِبْرِيَائِي، وَمِنْ
ثَمَّ أَعَادَ كَسْرَ مَا أَصْلَحَا
يَعُوذُ بِالْـمَحْبُوبِ مِنْ جَفْوَةٍ
في الْعِشْقِ إِنْ أَمْسَى، وَإِنْ أَصْبَحَا
يَرْتَاحُ إِنْ هَمَى دُمُوعًا، وَإِنْ
جَرَى وَفي كُفُوفِهِ مَسَّحَا(١٧)
أَوَّاهُ يَالَ الْعِشْقِ مِنْ عَاشِقٍ
سَحَا غِلَافًا لِفُؤَادِي سَحَا(١٨)
ذَا عَاشِقٌ مُسْتَبْهَمٌ طَائِشٌ
ذَا عَاشِقٌ بِعِشْقِهِ طَحْطَحَا(١٩)
مُخَادِعٌ كَكَوْكَبٍ في الـْمَدَى
مُدَوَّرٍ رَغْمَ انْبِسَاطِ الطَّحَا(٢٠)
في الْبَدْءِ كانَتْ غَلْطَتِي مُذْ دَنَا
قَلْبي لَهُ؛ قَلْبِي الذِي أَلْـمَحَا
يَا لَفُضُولِ القَلْبِ يَا وَجْدَهُ
كَانْ انْطِوَائِيًّا غَدَا مِتْيَحَا(٢١)
أَجَارَهُ اللهُ إِذَا مَا رَأَى
مَحْبُوبَهُ بِغَمْزَةٍ صَبَّحَا
شَرَشَرَ مِنْ عِطْرِ انْتِشَاءٍ حَوَى
نَشْوَةَ مِسْكٍ لَجَّ أَنْ يَنْفَحَا(٢٢)
هَرَاقَ خَمْرًا عَذْبَةً عَاتِقًا
صَبَّ قُطَيْرَاتِ النَّدَى الرُّشَّحا(٢٣)
عَلَّقَ زِينَةً عَلَى بَابِهِ
مِنْ سِحْرِ جِنّيٍّ إِذَا وَشَّحَا(٢٤)
أَغْرَقَ دَرْبَهُ بِجُلَّابِهِ
طوُبَى لِـطَيْفِهِ الذِي فَرَّحَا(٢٥)
أَفْرَحَهُ قُدُومُهُ فَجْأَةً
فَرْحَةَ مَجْبُورٍ إِذَا اسْتَفْتَحَا
كَعَاقِرٍ لَهْفَى إِلَى نَبْتِهَا
في اليَأْسِ أَلْفَتْ خَبَرًا مُفْرِحَا
رَمَى إِلَى رَيٍّ لِقَلْبٍ شَجٍ
يُجابُ مَنْ في عِشْقِهِ اسْتَمْنَحَا
صَلَّى لِرَبّهِ دَعَا شَاكِرًا
في صُبْحهِ، وَفِي الْـمَسَا سَبَّحَا(٢٦)
أَطْرَاهُ كَمْ أَثْنَى عَلَى نَعْتِهِ
وَمَا عَهِدْتُ القَلْبَ أَنْ يَمْدَحَا
أَكْبَرَهُ عَظَّمَهُ خَالَهُ
رُكْنًا مَهِيبًا سَيِّدًا شَرْمَحَا(٢٧)
كَيْ يَلْفِتَ الأَنْظَارَ أَرْخَى لَهُ
مِنْدِيلَهُ الزَّهْزَاهَ قَدْ لَوَّحَا(٢٨)
وَافْتَعَلَ الأُمُورَ عِنْدَ الْلُقَى
لـَمَّا بَدَا، قَهْقَهَ أَوْ كَحْكَحَا
يَنِحُّ كَالْخَلْبُوِصِ لَحْنًا، وَمَا
أَدْرَاكَ بِالْخَلْبُوصِ إِنْ قَحْقَحَا(٢٩)
يَخْفُقُ مِثْلَ نَجْمَةٍ أَوْ جَنَا
حٍ لِلْفَرَاشَاتِ إِذَا رَنَّحَا(٣٠)
دَهْدَهَ مِنْ أَضْلَاعِهِ نَبْضَهُ
دَلَّى غِلَافَهُ لَهُ؛ فَانْدَحَى(٣١)
وَقَالَ: (وَعْ) كَالطِّفْلِ في مَهْدِهِ
وَنَبْضُهُ قَدْ صَارَ مُسْتَنْبَحَا(٣٢)
وَيْلٌ لَهُ، وَالْعِشْقُ يَجْتَاحُهُ
ذَاقَ لَهِيبَ عِشْقِهِ الْـمِجْوَحَا(٣٣)
جَاعَ اشْتِيَاقًا في دِغَالٍ، وَكَمْ
مِنْ جَائِعٍ، وَالشَّوْقُ قَدْ أَنْبَحَا(٣٤)
هَاجَ، وَمَاجَ زَادَ في غِيِّهِ
عَوَى، دَوَى، وَالْتَذَّ أَنْ يَنْبَحَا(٣٥)
لَيْسَ صَهِيلُهُ بِمُسْتَغْرَبٍ
فَعَادَةُ الْـمُشْتَاقِ أَنْ يَضْبَحَا
المعاني
(٢) سحسحا: مطرًا سحسحا: شديدًا يسحّ جدّا فيقشّر وجه الأرض.
(٣) هراقت: صبّت، مسبحا: مكان السباحة.
(٤) تكرّ: تعيده مرّة بعد أخرى، همر: انصباب.
(٥) النوّحا: الباكيات المتأوّهات.
(٦) مستملحا: مليحا، حسنا.
(٧) يعجّ ب: يمتلئ ب، قلبي خفيف: غير رصين.
(٨) النضّحا: متدفّقات الدمع.
(٩) ذاك ذقني: عليّ اللوم والعتاب، حال إن: وقت إن.
(١٠) فحفحا: طقطق كالفحم.
(١١) الأفيح: الأوسع.
(١٢) الرغّاء: كثير الكلام، أرحب، رحرحا: وسّع.
(١٣) يلمع: سراب، ضحضح: ترقرق كالسراب.
(١٤) وأوأ: صوّت كالرضيع، وحوح: صات بصوت فيه بَحَح.
(١٥) لدّه: خاصمه.
(١٦) مطرابا: كثير الطرب، استصفح: استغفر وطلب الصفح.
(١٧) همى: صبّ.
(١٨) سحا: قشّر.
(١٩) طحطح بعشقه: أهلكه وأباده.
(٢٠) الطحا: المنبسط من الأرض.
(٢١) متيحا: يتدخل فيما لا يعنيه ويوقع نفسه بالمشاكل.
(٢٢) شرشر: تقاطر، لجّ: ألحّ.
(٢٣) خمر عاتق: قديمة.
(٢٤) وشّح: زيّن.
(٢٥) جلاب: ماء الورد.
(٢٦) المسا: المساء.
(٢٧) شرمحا: قويا طويلا.
(٢٨) الزهزاه: المختال.
(٢٩) الخلبوص: طائر أصغر من العصفور أو مهرّج، قحقح: كحكح.
(٣٠) رنّح: اهتز واضطرب.
(٣١) دهده: دحرج، دلّى: أنزل وأسقط، اندحى: اتّسع.
(٣٢) وع: صوت بكاء الرضيع، مستنبح: محرَّض على الصياح.
(٣٣) مجوح: يجتاح كلّ شيء.
(٣٤) دغال: أدغال.
(٣٥) دوى: جلجل، سُمع له دويّ.