عدد أبيات القصيدة
أَيَا مَنْ أُبَادِلُهُ الْعِشْقَ هَلْ
تَذَكَّرْتَ مِثْلي الليَالِي الْأُوَلْ؟
إِذَا مَا مَلَاكُ الْغَرَامِ أَتَى
تَبَخْتَرَ حِينَ دَنَا، وَرَفَلْ(١)
وَحَلَّ عَلَى الْهَائِمَيـْنِ مَعًا
وَفِي وَحْيِ شِعْرِهِمَا قَدْ نَزَلْ
فَآهٍ لِقَلْبَيْنِ لَمْ يُدْرِكا
سِوى الْعِشْقِ عَبْرَ قَصِيدِ الْغَزَلْ
أَمَا آنِ في الْعِشْقِ أَنْ يُجْمَعَا
فيُضْرَبُ بِالْعَاشِقَيْنِ الْـمَثَلْ
عَشِيقَانِ لَمْ يَضْرِبَا مَوْعِدًا
وَلَمْ يَنْهَلا مِنْ نَدِيِّ الْقُبَلْ
فَوَيْحَ قَتِيليْنِ لَمْ يَكْتُبَا
لِقَلْبِهِمَا مِنْ شَهِـيِّ الْجُمَلْ
بِنَفْسِ مَدارِ الْهَوَى حَلَّقَا
فَذا قَدْ أَضَاءَ، وَذَا قَدْ أَفَلْ(٢)
كَتُومٌ قَدِ افْتَنَّ في كَتْمِهِ
وَآخَرُ كَالْوَرْدِ حِينَ ذَبُلْ(٣)
وَأَيُّهُمُا الْصَّبُّ في الْعِشْقِ مَنْ
تَكَتَّمَ في الْحُبِّ أَمْ مَنْ سَأَلْ؟
فُؤَادٌ حَرِيصٌ عَلَى سِرّهِ
وَقَلْبٌ شَجِيٌّ حَيِيٌّ خَجِلْ
وَشتَّانَ بَيْنَهُمَا في الْهَوَى
فَذَاكَ دَؤوبٌ، وَذَاكَ كَسِلْ
فوَيْهًا لِصبٍّ يَفِيضُ شَجًى
وَيَقْتُلُهُ فَاتِنٌ قَدْ جَهِلْ
وَوَاهًا لِقَلْبٍ عَلَى عِشْقِهِ
يَجُودُ بِشُحٍّ بِهِ مَا بَخِلْ(٤)
إِذَا مَا اسْتَمَالَ هَواهُ فَتًى
تَأَنَّى تَرَوَّى تَوَانَى مَهَلْ
قُلُوبٌ عَلَيْهَا مَغَالِيقُهَا
وَأَيَّامُهَا في الغَرامِ دُوَلْ(٥)
وَقَدْ كُنْتُ أَحْلُمُ فِيمَا مَضَى
بِوَهْمٍ، ومَنْ رَادَ وَهْمًا خُذِلْ
أَتُوقُ لِقَلْبِكَ لَا أَنْتَهِي
مِنَ الشَّوْقِ وَالْوَجْدِ دُونَ كَلَلْ
وَحَقِّ الدُّمُوعِ، وَتَهْتَانِهَا
أَنَا لَمْ يَكُنْ لي سِوَاكَ بَدَلْ(٦)
عَشِقْتُ الْبُكا لَا عَدِمْتُ الْبُكَا
بِهِ أَذْكُرَنَّ الذي قَدْ حَصَلْ
عُيُونٌ تَفَجَّرَ شَلَّالُهَا
وَدَمْعٌ، وذِكْرَى الْهَوَى تَعْتَمِلْ(٧)
فيَا بُؤْسَ عَيْنٍ بِهَا مَا بِهَا
مُعَلَّقَةٍ بِبَقَايَا الْأَمَلْ
أَمَوْلايَ عَطْفًا عَلَى حَالِهَا
فلَيْسَ لَهَا بِجَفَاكَ قِبَلْ(٨)
لَنَا اللهُ مِنْ فَتْنْ قَلْبٍ نَأَى
يُعَانِدُني مِنْ قَدِيمِ الأَزَلْ(٩)
كَذَا كُنْتُ أَنْعَمُ في حُسْنِهِ
فَفَارَقَني في الْهَوَى، وَارْتَحَلْ
وَمَا كَانَ عِشْقِي لَهُ دَجَلًا
وَحَاشَا، وَكَلَّا اتبَّاعَ الدَّجَلْ
وَذَلِكَ حَالي، وَشبَّهْتُهُ
كَمَنْ تَبِعَ الصَّيْدَ حَتَّى غَفَلْ
كَطِفْلٍ يُفَتِّشُ عَنْ أَمِّهِ
تَخَضْخَضَ مِنْ فَقْدِهَا في وَجَلْ(١٠)
يُلَهَّــى بِصُورَتِهَا في الْبُكَا
فَلَمَّا رَآهَا حَبَا، وَاحْتَفَلْ(١١)
وَلَـمَّا تَذَكَّرَ أَنْفَاسَهَا
سَعَى نَحْوَ أَطْيَافِهَا، وَحَجَلْ(١٢)
وَلَـمَّا اسْتَبَدَّ الْخَيَالُ خَطَا
وَأَكْبَرَهَا، وَجَرَى، وَاجْتَدَلْ(١٣)
فَلَمَّا أَفَاقَ عَلَى وَهْمِهِ
تَشَبَّثَ في وَهْمِهِ بِالضَّلَلْ
وَذَلِكَ دَأْبيَ في عِشْقِنَا
قَسِيمي الْعَذَابُ، وَخِلِّــــــي الْفَشَلْ
عَلَى مِثْلِ ذَاكَ حَمَلْتُ أَسًى
إِذَا مَا عَشِقْتُ حَبِيبًا رَحَلْ
أَلَا رُبَّ قَلْبٍ يُسَلِّمُ لي
أَمَا أَذِنَ اللهُ أَنْ يَمْتَثِلْ؟
عَهِدْتُ فُؤَادِي شَغُوفًا بِهِ
وَمِنْ شَهْدِهِ في الْغَرَامِ نَهَلْ
تَحَلَّى، وَقَلْبي يَذُوبُ بِهِ
وَلَا يَتَوَقَّى مَحَلَّ الزَّلَلْ
وَوَجْهُكَ مُغْرٍ مُمَنِّنٍ لَهُ
تَبَرَّجَ كَالْـمُونِقِ الْـمُكْتَحِلْ(١٤)
وَحَقِّ الْعُيونِ، وَتَسْهَادِهَا
عَشِقْتُ، ومَا مَسَّ قَلْبي مَلَلْ(١٥)
وَكَمْ دُونَ بَدْرِكَ مِنْ فَاتِنٍ
تَمَنَّى اكْتِمَالَكَ؛ لَا يَكْتَمِلْ
وَجَفْنُكَ إِذْ مَا نَظَرْتُ لَهُ
تَأَوَّدَ ذَا النَّاعِسُ الْـمُنْسَدِلْ(١٦)
يَبُثُّ الْحَنَانَ عَلَى رِسْلِهِ
فأَوْدَى بِمَجْنُونِهِ في عَجَلْ(١٧)
وَخَدَّاكَ طالَتْ حَيَاتُكَ لي
قَنَانِيُّ حُسْنٍ بِهَا أَغْتَسِلْ(١٨)
وَمَا حِيلَتِي إِنْ هُمَا قَمَرَا
فُؤَادِي بِنَارِهِمَا؛ فَاشْتَعَلْ(١٩)
وَأَعْيُنُ فَتْنٍ تَلَهَّــــى بِهَا
فُؤَادِي اغْتَذَى فَاكِهًا في شُغُلْ(٢٠)
وَأَطْيَافُ أَلْـمَاسِ أَحْدَاقِهَا
زَبَارِجُ مِنْ حَلَقَاتِ زُحَلْ(٢١)
لَعَمْري لَقَدْ ذُقْتُ مِنْ خَمْرِهِا
فَرَفْرَفْتُ كَالْـمُرْجَحِنِّ الثَمِلْ(٢٢)
فَيَا لَلْمُريدِ إِذَا ذِيقَهَا
وَيَا لَلسَّكَارى بِنَهْرَيْ عَسَلْ
وَمَا زِلْتُ مُذْ كانَ تِيهي بِهَا
أَتُوهُ، وَدَمْعِي لَهَا يَنْهَمِلْ
فَغُيِّبْتُ مَا بَيْنَ تِلْكَ، وَذَا
بِعَيْنِ الْـمَهَاةِ، وَخَدٍّ خَدِلْ(٢٣)
المعاني
(٢) أفل: غاب، واستتر.
(٣) افتنَّ: أبدى مهارة.
(٤) شحّ: بخل.
(٥) مغاليق: مفردها مغلاق (قفل).
(٦) تهتان: مطر متتابع.
(٧) تعتمل: تثور، وتضطرم.
(٨) بجفاك: بجفائك، قبل: طاقة أو قدرة.
(٩) فتن: إغواء.
(١٠) تخضخض: اضطرب، وجل: خوف.
(١١) يُلهّى: يُشغل عنها، حبا: تحرّك على يديه، وركبتيه.
(١٢) حجل: مشي على إحدى رجليه.
(١٣) أكبرها: عظمت لديه، اجتدل: قوي، مشي مع أمّه.
(١٤) المؤنق: مؤنق: الأنيق الحسن.
(١٥) تسهاد: الأرق (ألم تذر العين تسهادها “حسان بن ثابت أنْ ليس يَنفي خطوبَ الدهر تسهادي ” أبو العلاء المعرّي.
(١٦) تأوّد: تثنّى، تعوّج.
(١٧) على رسله: بتمهّل.
(١٨) قنانيّ: قوارير.
(١٩) قمرا: شغفاه حبًّا.
(٢٠) اغتذى: تناول الغذاء، فاكها: ضاحكا، مرحا، شُغل: نعيم يلهيه عمّا سواه
(٢١) زبارج: جمع زبرجد/ حجر كريم كالزمرّد، زحل: كوكب له حلقات ملوّنة.
(٢٢) المرجحنّ: المائل، المهتزّ.
(٢٣) خدل: ممتلئ لحمًا.