عدد أبيات القصيدة
ذَكَّرْتُ قَلْبِي؛ فَقَالَ: أَوَّاهُ
وَظَلَّ يَبْكي لِذِكْرِ مَوْلَاهُ
أَنَا، وَقَلْبي بِبُؤْسِ لَيْلَتِنَا
نَهِيمُ عِشْقًا بِمَنْ عَشِقْناهُ
أَقُولُ: آهٍ، يَقُولُ: (أَوْهِ لَهُ)
أَقُولُ: واهًا!، يَقُولُ: (رَبَّاهُ!)
أَقُولُ: (مَا الْحَلُّ هَلْ نُصَارِحُهُ؟)
يَقُولُ: (أَيَّانَنَا، وَإيَّاهُ؟!)(١)
فَقُلتُ: (رِفْقًا)؛ فَقَالَ: (أَعْشَقُهُ)
قُلْتُ: (حَنانَيْكَ)، قَالَ: (أَشْهَاهُ)
فَقُلْتُ لـَمَّا رَأَيْتُ لَوْعَتَهُ
وَبَعْدَما، مَنْ أَحَبَّ أَبْكَاهُ
: (اشْهَ تَشَهِّ اشْتَهِ اشْهُ مِنْكَ لَهُ
شَهِّ بِهِ، أَشْهِهِ مُشهَّاهُ)(٢)
فَقَالَ: (مَا أَطْيَبَ الْغَرَامَ، وَمَا
أَلَذَّ هَذَا الْهَوَى، وَأَحْلَاهُ)
يَشْتَاقُ قَلْبي لِحِضْنِ سَيِّدِهِ
يَتُوقُ مِثْلِي لِفَوْحِ ريَّاهُ
هَيْهَاتَ يَلْقَاكَ في غَرامِكَ ذَا
حِضْنٌ، وَإِنْ أَقْبَلَتْ ذِرَاعَاهُ
قَدْ مَاتَ قَلْبي لِأَجلِ رُؤْيَتِهِ
عَادَى قُلُوبًا لِأَجْلِ لُقْيَاهُ
هُوَ الْحَبيبُ الذي رَضِيتُ بِهِ
وَغَيْرُهُ في الْوُجُودِ أَشْبَاهُ
هُوَ النَّعِيمُ الذي أُسَاقُ لَهُ
وَمَا عَرَفْتُ الْهَنَاءَ لَوْلَاهُ
يَسْكُنُ في الْقَلْبِ لَا يُفَارِقُنَا
أَدَامَ رَبِّي عَلَيْهِ سُكْنَاهُ
نَسْتَحْضِرُ الوَهْمَ في تَخَيُّلِنَا
وَتُبْصِرُ الْعَيْنُ سِحْرَ مَرْآهُ
نَتُوهُ عَطْشَى، لَهَا الضَّلَالُ بِنَا
تُجِيرُنَا بِالسَّرَابِ أَمْوَاهُ(٣)
وَنَنْتَشِي في جَمَالِ حَضْرَتِهِ
سُبْحَانَ مَنْ بِالْجَمَالِ سَوَّاهُ
إِذَا تَجَلَّى تَطِيبُ جَلسَتُنَا
إِذَا فَقَدْنَاهُ تَكْبُرُ الْآهُ
قَلْبِي إِذَا مَا رَآهُ يَهْجُرُني
جَرَّاءَ سِحْرٍ، سَبَتْهُ عَيْنَاهُ
أَقَرَّ فَرْضَ الْوَلَاءِ، ذَلَّ لَهُ
بِالْقَهْرِ قَدْ بَاتَ مِنْ رَعَايَاهُ(٤)
فَاضَ اتِّضَاعًا أَرَى اسْتِكَانَتَهُ
عَارًا لَنَا في الْغَرَامِ أَنْمَاهُ(٥)
سُلُوكُ ضَعْفِي لَهُ يُعَظِّمُهُ
رَبَّى انْقِيَادِي لَهُ، وَأَزْكَاهُ
يَحْكِي، وَيَبْكِي لَهُ مَوَاجِعَنَا
وَرَغْمَ مَا يَشْتَكِي تَرَجَّاهُ
في الْحُبِّ قَدْ صَارَ مِثْلَ لُعْبَتِهُ
بَلْ صَارَ في الْعِشْقِ مِلْكَ يُمْنَاهُ
كَخَاتَمٍ لُفَّ في أَصَابِعِهِ
عُذْرًا إِذَا قُلْتُ مِنْ مَطَايَاهُ
ومَنْ بِعُمْقِ الْغَرَامِ أَوْقَعَهُ
مَنْ مِنْ شُغورِ الْقُلوبِ نَجَّاهُ؟
مَنْ طَرَحَ الْعَنْدَ في الْفُؤَادِ، وَمَنْ
بِقَتْلِنَا حَثَّهُ، وَأَوْصَاهُ؟
شَفَاهُ رَبُّ الْعِبَادِ مِنْ وَلَهٍ
شَفَى سَقِيمَ الْغَرَامِ عَافَاهُ
قَلْبِي عَلَى وَضْعِهِ يُحَيِّرُني
قَلْبٌ غَرِيبٌ أَضَاعَ دُنْيَاهُ
يَصُبُّ بَحْرًا مِنَ الْبُكَاءِ؛ فَهَلْ
هَوَّنَ مِنْ جَمْرِهِ، وَأَخْبَاهُ؟(٦)
يَجْرِي إِلَى الْـمُستَحِيلِ أَنْهَكَنَا
أَوْهَنَنَا، وَالْجَحِيمُ عُقْبَاهُ
إِذَا مَحَوْتُ الْهُيَامَ أَوْجَدَهُ
إِذَا قَتَلْتُ الْغَرامَ أَحْيَاهُ
وَكُلُّ شَيءٍ بِهِ يُذَكِّرُنَا
إِذَا تَخَلَّصْتُ مِنْهُ أَبْقَاهُ
إِذَا تَبَرَّأْتُ مِنْهُ قَبَّلَهُ
وَمَسَّحَ الرَّأْسَ قَدْ تَبَنَّاهُ
تَوَّجَهُ مُلْكَنَا، وَمَلَّكَهُ
سَلَّمَهُ سُلْطَتي، وَأَعْطَاهُ
قَدْ هَامَ، لـَمَّا أَتَى تَنَكَّرَ لِـي
لِأَيِّ حَدٍّ تُرَاهُ أَغْرَاهُ
رَجَوْتُهُ الْبُعْدَ عَنْهُ قَالَ: (عَلَى
جُثَّتِنَا، بَعْدَ كَشْفِ رُؤْيَاهُ؟)
أَقُولُ: (دَمْعُ الْخُدُودِ أَغْرَقَنا)
يَقُولُ: (خَدٌّ بُكاكَ أَنْدَاهُ
عَالِي الْـمَقَامَاتِ قَلْبُ سَيِّدِنَا
خُفُوقُ نَبْضِي؛ فَكَيْفَ أَسْلَاهُ؟
مُبَلْسَمُ الْحِسِّ مِنْ رَهَافَتِهِ
إِذَا فَشَا بِالسَّقِيمِ دَاوَاهُ(٧)
مَا كُنْتُ ذَا جَفْوَةٍ لأَزْهَدَهُ
مَا كُنْتُ ذَا غِلْظَةٍ لِأَنْسَاهُ)
عَنَّفْتُهُ، احْتَجَّ، قَالَ: (ذَاكَ أَنَا
أُقِيمُ عِنْدَ الْحَبِيبِ أَرْعَاهُ
أَرْعَى اشْتِيَاقِي لَهُ، ويَمْلِكُني
قَلْبُ حَبِيبِي يَدُومُ مَرْعَاهُ
بِالْشِّعْرِ أَحْكِي لَهُ تَوَلُّهَنَا
أُفَرِّجُ الْهَمَّ في شَكَايَاهُ)
نَهيْتُهُ عَنْ ضَلَالِ فِتْنَتِهِ
مَنَعْتُهُ، قَالَ: (وَاحَبِيبَاهُ)
أَيَّ قَرَارٍ تَخِذْتُ يَرْفُضُهُ
أَبَى عَلَى الفَوْرِ قَدْ تَحَدَّاهُ
مَن يَا تُرَى بِالرَّحِيلِ يُقْنِعُهُ
مَنْ يَا تُرَى في الْعِنَادِ يَنْهَاهُ؟
ومِنْ رِهَانِ الْغَرَامِ يَمْنَعُهُ
مَنْ يَحْرِمُ الْقَلْبَ مِنْ شَهَاوَاهُ؟
أَمَامَ أَشْهَادِهِ رَسَمْتُ لَهُ
خَطًّا إذا خالَهُ تَخَطَّاهُ
في الْعِشْقِ حَجَّمْتُهُ، وَضَعْتُ لَهُ
حَدًّا، وَفي لَحْظَةٍ تَعَدَّاهُ
المعاني
(٢) اشْهَ: أحبّ، تشهّ: ارغب، اشتهِ: ارغب، اشهُ منكَ: لذّ منك، شهّ به: رغّب بهِ، أشههِ مشهّاه: رغب إليه مملوكه المشهّى به.
(٣) لها: لعب، أمواه: جمع مياه.
(٤) ذلّ له: خضع له.
(٥) اتّضاعًا: وضاعة، أنماهُ: جعله ناميًا.
(٦) أخباه: أطفأه.
(٧) مبلسَم: ممسّح بالبلسم.