عدد أبيات القصيدة
جِئْنَا إِلَيْكُمْ، وَنَارُ الْحُبِّ تَكْوِينَا
وَالْحُزْنُ يَقْتُلُنا، وَالْهَمُّ يُفْنِينَا
جِئْنَا إِلَيْكُمْ، وَمَا ارْتَاحَتْ مَشَاعِرُنَا
جِئْنا لِنَكْتُبَ فَصْلًا مِنْ مَآسِينَا
أَهْلَ الْـمَحَبَّةِ هَلْ لَاقَيْتُ عِنْدَكُمُ
في وَصْلِكُمْ عِوَضًا عَنْ كُلِّ مَا فِينَا
وَكَيْفَ نَطْمَعُ مِنْكُمْ أَنْ يُعَوِّضَنَا
عَطْفٌ لَدَيْكُمْ، وَلَا شَيءٌ يُدَاوِينَا
مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الْحُبَّ يَسْرِقُنَا
مِنَّا إِلَيْكُمْ؛ فَمَنْ مِنْكُمْ يُوَاسِينَا
كَانَ الزَّمَانُ لَنَا عِشْنَا بِصُحْبَتِهِ
رَغْمَ الْوَفَاءِ لَكُمْ خابَتْ أَمَانِينَا
نَحْنُ الذينَ مَلَأْنَا الْبَحْرَ أَشْرِعَةً
تُهْنَا، وَضِعْنا، غَرِقْنَا في مَوَانِينَا
كُنَّا قَرَاصِنَةً نَغْزُو قُلُوبَكُمُ
كَانَتْ مَرَاكِبُكُمْ في الْحُبِّ تُغْرينَا
الْيَوْمَ قَدْ هَدَأَتْ فِيكُمْ عَوَاصِفُنَا
وَبَلَّلَتْنا دُمُوعٌ في مَآقِينَا(١)
وَقَرَّبَتْنْا لِقَاءَاتٌ مُزيَّفَةٌ
وَأَبْعَدَتْنا هُمُومٌ في تَلَاقِينَا
وَأَحْرَقَتْنَا شُمُوعٌ في تَضَرُّعِنَا
وَأَطْفَأَتْنَا شُجُونٌ في لَيَالِينَا
وَفَرَّقَتْنَا غُيُومٌ في تَخَاصُمِنَا
وَجَمَّعَتْنَا شُكُوكٌ في تَصَافِينَا
مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَ بَرْدُ اللَّيْلِ يُنْعِشُنَا
هَبَّتْ عَلَيْنَا رِيَاحُ الشَّوْقِ تَشْوِينَا
كُنَّا نُرَتِّلُ شِعْرَ الْحُبِّ مُرْتَجَلًا
وَالْآنَ يَهْرُبُ بَعْضٌ مِنْ قَوَافِينَا
وَاللهِ قَدْ كَانَ هَذَا الْعِشْقُ يَجْذِبُنَا
وَالْيَوْمَ أَصْبَحَ لِلْمَجْهُولِ يَنْفِينَا
نئنُّ مِنْ وَجَعٍ يَسْرِي بِرِحْلَتِنا
وَكَيْفَ نَذْكُرُ في التَّرْحَالِ مَاضِينَا
مَا زَالَ يُوجِعُنَا حُزْنٌ أَلَمَّ بِنَا
بَعْدَ الْفِرَاقِ، وَقَهْرٌ في تَباكِينَا
في الصُّبْحِ تُسْكِتُنَا ذِكْرَى تَبَاعُدِنَا
في اللَّيْلِ تُنْطِقُنَا شَكْوَى الْـمُحِبِّينَا
وَأَسْتَعِينُ عَلَى الذِّكْرَى بِذِكْرِكُمُ
عَلَّ التَلَهِّي بِكُمْ في الْعِشْقِ يُنْسِينَا
لَا يَهْرُبُ الْقَلْبُ مِنْ ذِكْرَى تُطَارِدُهُ
وَالذِّكْرَيَاتُ كَظِلِّ الْـمَرْءِ تَحْوِينَا
جَالَتْ بِخَاطِرِنَا يَوْمًا طُفُولَتُنَا
شَوْقٌ يُلَامِسُنُا، وَهْمٌ يُمَنِّينَا
كَانَتْ لَنَا قِصَصٌ في الْحُبِّ نَكْتُمُهَا
بَيْنَ الْعُيُونِ؛ فَتُفْشِيهَا، وَتُفْشِينَا
مَرَّ الزَّمَانُ عَلَيْنَا في مَدِينَتِنَا
طَابَ الْحَنِينُ إِلَيْكمْ في نَوَاحِينَا
مِنَ (الزَّقَازِيقِ) تَدْعُونَا شَوَارِعُهَا
مِنْ (جَامِعِ الْفَتْحِ) وَالْكُورْنِيشُ يَأْوِينَا(٢)
وَلَفْحَةُ الدِّفْءِ وَقْتَ الْبَرْدِ تُسْعِفُنَا
مِنْ رَشْفَةِ الشَّايِ في مَقْهَى (أَفَنْدِينَا)(٣)
تَلَامَسَتْ خُلْسَةً مِنِّا أَنَامِلُنَا
تَشَابَكَتْ كَفُرُوعِ الْوَرْدِ أَيْدِينَا
هَانَتْ عَلَيْكُمْ عُهُودٌ مِنْ مَوَدِّتِنَا
ضَاعَتْ وُعُودٌ، وُهَذَا النَّأْيُ يَطْوِينَا
قَدْ كَانَ يُتْعِبُنَا دَاءٌ لِبُعْدِكُمُ
وَصَفْحَةُ الْهَجْرِ بِالْآلَامِ تُبْلِينَا
وَمَا اعْتَرَضْتُ عَلَى دَاءِ الْهَوَي أَمَلًا
أَنَّ الذي خَلَقَ الْأَوْجَاعَ يَشْفِينَا
أَضِيعُ في قِصَّتِي أَخْذًا بِذَنْبِكُمُ
فَهَلْ أُكَفِّرُ وَحْدِي عَنْ مَعَاصِينَا
وَهَلْ جَزَاءُ وَفَائِي في بِلَادِكُمُ
حُزْنٌ، وَغدْرٌ ، وَدَمعٌ في تَأَسِّينَا
يَا مَنْ تُحِلُّ دَمِي، وَالْحُبُ مِلْءُ فَمِي
أَمُوتُ مِنْ سَقَمِي، وَالْوَجْدُ يُنْهِينَا
رِفْقًا بِأَدْمُعِنَا يَا مَنْ تُلَوِّعُنَا
ضَاعَ الْهَوَى مَعَنَا، وَالْغَدْرُ يَكْفِينَا
إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ عُذْرٌ في مُقَاطَعَتِي
خَفِّفْ حِصَارَكَ عَنَّا، وَاسْتَرِحْ حِينَا
تَبْكِي، وَنَبْكِي عَلَى فِقْدَانِ حُبِّكُمُ
دَاءُ الْبُكَاءِ بِجَوْفِ الْقَلْبِ يُعْدِينَا
مِمَّا أَثَارَ عَلَى الْإِطْلَاقِ دَهْشَتَنَا
أَنَّ الدَّوَاءَ بِطِبِّ الْحُبِّ يُعْيِينَا
غَادِرْ خِصَامَكَ، وَارْجِعْ مِنْ شَتَاتِكَ يَا
مَنْ تَحْسَبُ الْقَتْلَ في الْإِحْسَاسِ يُحْيِينَا
نَارُ التَّشَفِّي بِنَا في الْحُبِّ تَحْرِقُنَا
وَلَا نُحَقِّقُ شَيْئًا مِنْ تَشَفِّينَا
مِنْكَ الْجِرَاحُ، وَمِنْكَ الصَّفْحُ يُفْرِحُنَا
مِنْكَ الْعَذَابُ، وَمِنْكَ الْوَصْلُ يُرْضِينَا
لَوْ أَحْضَرُوا الشَّمْسَ، وَالْأَقْمَارَ جَانِبَنَا
مِنْ أَجْلِ تَرْكِ الْهَوَى لَا شَيءَ يُثْنِينَا
لَا تَبْتَهِجْ فَرَحًا، مِنْ ضَعْفِ حِيلَتِنَا
فَاضَ الْهَوَانُ بِنَا غُلَّتْ أَيَادِينَا
إِذَا قَسَوْتَ عَلَى قَلْبِي الضَّعِيفِ؛ فَلَا
تَبْخُلْ عَلَيَّ بِقَتْلٍ في تَدَانِينَا
عَلَّ الْغَرَامَ الذي مَا زَالَ يَسْكُنُنَا
إذَا رَآنَا مَعًا في الذَّبْحِ يَفْدِينَا
إِذَا قَسَوْتَ، لَعلَّ اللهَ يُبْدِلُنا
خَيْرًا مِنَ الْحُبِّ، أَوْ مِنْكُمْ يُعَافِينَا
أَمَّا غِنَاكَ عَنِ الْأَشْوَاقِ يُنْبِئُنَا
أَنَّ الْقَدِيرَ الذي أَغْنَاكَ يُغْنِينَا
لَعَلَّنَا نَكْتَفِي مِنْ حُبِّنَا؛ وَعَسَى
مِمَّا يَمُنُّ عَلَيْكَ اللَّهُ يُعْطِينَا
إِذَا عَشِقْتَ؛ فَخُذْ عِنْدَ الْهَوَى حَذَرًا
وَأَخْذُنَا الْحِرْصَ وَقْتَ الْـمَوْتِ يُنجِينَا
وَكُنْ صَبُورًا عَلَى الْأَهْوَالِ في جَلَدٍ
مَنْ يَمْسُكُ الْجَمْرَ لَا يَخْشَى الْبَرَاكِينَا
دَرِّبْ طُمُوحَكَ دَوْمًا دُونَمَا طَمَعٍ
إِنَّ الطُّمُوحَ بِلَا شَكٍّ يُرقِّينَا
غَامِرْ بِقَلْبِكَ إِنَّ الْعِشْقَ تَجْرِبَةٌ
إِنَّ التَّجَارِبَ أَحْيَانًا تُقَوِّينَا
المعاني
(٢) الزقازيق: مدينة شرق الدلتا المصريّة، جامع الفتح: جامع شهير بالمدينة.
(٣) مقهى أفندينا: مقهى بمدينة الزقازيق.