عدد أبيات القصيدة
مَا بَيْنَ عَيْنَيْكِ، حِينَ اسْتَعْذَبَتْ فِتَنَا،
عَصْفٌ مِنَ الرِّيحِ حِينَ اجْتَاحَتِ الْـمُدُنَا
نَارُ الْأَبَابِيلِ لَـمَّا اسَّاقَطَتْ وَهَجًا،
رَجْمُ الشُّهابِ لِـمَنْ يَصَّعَدُونَ هَنَا(١)
هَوْلٌ يُصَبُّ عَلَى مُصْغٍ لِصَمْتِهِمَا
بَيْنَ الشُّوَاظِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَرِقْ أُذُنَا(٢)
بُعْدُ السَّفِينَةِ عَنْ قَوْمِ ابْنِ (وَاغِلَةٍ)،
(نُوحٌ) وَدَعْوَتُهُ أَنْ يَدْفَعُوا الثَّمَنَا(٣)
جَرُّ السَّلَاسِلِ أَحْطَابًا، وَتَصْلِيَةٌ
نَارٌ تَمَيَّزُ غَيْظًا تَمْضُغُ الْبَدَنَا(٤)
غَوْثٌ عَلَى طِلْسَمٍ، قُطْبٌ وَرَاعِيَةٌ
تُبْقِي مُرِيدًا عَلَى الْأَبْوَابِ مُرْتَهَنَا(٥)
تُسْدِي لِأَحْزَانِ قَلْبِي الدَّعْوَةَ الْجَفَلَى
وَتُجْهِضُ النَّقَرَى لِلْعِشْقِ حِينَ دَنَا(٦)
عَيْنَاكِ، تُهْتُ، ومَا عَيْنَاكِ؟ قِيلَ هُمَا
لَيْلٌ مُشِعُّ اللَّظَى صُبْحٌ إِذَا دَجَنَا(٧)
جَهَنَّمٌ ضَيَّفَتْ نُزَّالَ آخِرَةٍ
وَلَا أَظُنُّهُمَا مِمَّا تُنِيرُ دُنَا(٨)
مَا بَيْنَ عَيْنَيْكِ “آخٍ”، وَالْتِهَافَةُ “لَوْ”
وَسُوءُ (بَختِ) فَتًى يَسْتَقْطِبُ الْـمِحَنَا(٩)
وَغَدْرُ وَرْدِ شِفَاهٍ حِينَ قَبَّلَهَا
فَمٌ قَرِيرٌ، وَشَوْكُ الْبَرْدِ قَدْ كَمَنَا(١٠)
عَيْنَاكِ مَغْرِبُ شَمْسٍ أَتْبَعَتْ سَبَبًا
وَالْحُسْنُ عَذَّبَنِي؛ لَمْ يَتَّخِذْ حَسَنَا(١١)
فَقْدٌ مَآلُهُمَا فِي التِّيهِ دُونَ مَدًى
وَنُهْيَةُ الرَّجْمِ فِيمَا بَعْدَ حَدِّ زِنَا(١٢)
عَيْنَاكِ حَدْسُ يَمَامَاتٍ لِصَائِدِهَا؛
اِسْتَشْعَرَتْ خَطَرًا مِنْ قَبْلِ أَنْ يَكِنَا(١٣)
عَيْنَاكِ أُفْقٌ لِبَحَّارٍ وَكَأْسُ نَدًى
فَذَابَ في جَرَّةِ الْإشْهَاءِ وَافْتَتَنَا
وَانْدَسَّ في سِرِّهِ بَحْرُ الْوِصَالِ فَمَا
تَمَلَّصَ الْبَحْرُ مِمَّنْ أَغْرَقَ الْعَلَنَا(١٤)
مَغَارَةٌ مَا (عَلِي بَابَا) بِوَالِجِهَا
وَسَادِنٌ لِفُتَاتِ الْقَلْبِ قَدْ خَزَنَا(١٥)
عَيْنَاكِ دُنْيَا الْتِبَاسَاتٍ وَتَوْرِيَةٍ
لُبْسٌ مِنَ الْهَجْسِ مَعْجُونٌ بِلُغْزِ سَنَا(١٦)
سَنَاهُمَا حَالَةٌ كَوْنِيَّةٍ طَرَأَتْ
وَغَيَّرتْ بِمَنَى أكْوَانِنَا السُّنَنَا(١٧)
عَيْنَاكِ ظَاهِرَةٌ في الْعِشْقِ نَادِرَةٌ
وَقَلَّ مَا (زُحَلٌ) (بِالْـمُشْتَرِي) اقْتَرَنَا(١٨)
عَيْنَاكِ مَكَّارَتَانِ اسْتَذْأَبَتْ بِهِمَا
رُوحُ الْعُوَاءَاتِ حَتَّى اسْتَمْلَكَتْ دُجُنَا(١٩)
تُرَاوِدَانِ هَوًى؛ لِلْقَلْبِ زَقْزَقَتَا:
(أَرْسِلْهُ يَلْعَبْ وَيَرْتَعْ بَاكِرًا مَعَنَا)(٢٠)
عَيْنَاكِ خَمْرٌ لِغِرٍّ مَا تَجَرَّعَهَا
حَتَّى الثُّمَالَةِ إِلَّا قَلْبُهُ اتَّزَنَا(٢١)
أُنْثَى خُرَافِيَّةٌ إِغْرَاؤُهَا قِصَصٌ
دَلَّتْ فَأَغْوَتْ غَوِيًّا وَاهِمًا حَزِنَا(٢٢)
يَسَّاءَلُ الْقَلْبُ عَنْهَا بَيْنَمَا سَفَرٍ؛
مَا مِنْ رَحِيمٍ بِأَطْرَافِ الْجَوَابِ حَنَا(٢٣)
قَالُوا: (هُنَا) فَأَتَاهَا مِنْ هُنَاكَ، وَقَدْ
فَرَّتْ هُنَاكَ إِذَا مَا كَانَ قَيْدَ هُنَا
أُنْثَى شَمُوسٌ، وَلَمْ تَطْلُعْ عَلَى أَحَدٍ؛
تَحْتَ الشَّبَابِيكِ طَالَ الْأَمْرُ، قُلْتُ: أَنَى(٢٤)
مَا بَيْنَ عَيْنَيْكِ صِدِّيقٌ، “وَهَيْتَ” لَهُ
وَالثَّوْبُ قُدَّ لِكَيْلَا يَسْتَدِيرَ لَنَا(٢٥)
في ضَوْءِ عَيْنَيْكِ، إِذْ قَتَّلْتِ “نَحْنُ”، “أَنَا”
وَالصَّبْرُ لَمْ يَسْتَطِعْ تَأْوِيلَ سِرِّ “أَنَا”(٢٦)
مَا خَلْفَ عَيْنَيْكِ بَابٌ، جَنَّةٌ، وَطَنٌ،
وَحَارِسٌ مَا ارْتَضَى إِلَّا لِـمَنْ أَذِنَا(٢٧)
بَحْرُ الْـمُرِيدِ يُخَفِّي الْـمَا وَرَاءَ، وَمَا
أَحَقَّ مَنْ وَدَّهُ أَنْ يَرْكَبَ السُّفُنَا!(٢٨)
مَا خَلْفَ عَيْنَيْكِ تَأْثِيرُ الْفَرَاشَةِ لَوْ
رَفَّتْ رُمُوشُهُمَا ضَجَّ الْفَضَاءُ غِنَا(٢٩)
في غَيْرِ عَيْنَيْكِ إِغْرَاءٌ يُغَالِبُهُ
قَلْبٌ وَحِيدٌ بِأَذْكَارٍ بِهَا حَصُنَا(٣٠)
في غَيْرِ عَيْنَيْكِ سِكِّينٌ وَمُتَّكَأٌ
وَرُوحُ مُسْتَعْصِمٍ مَا قِيلَ عَنْهُ وَنَى(٣١)
كَيْدٌ عَظِيمٌ وَإِكْبَارٌ وَقَطْعُ يَدٍ
وَالْقَلْبُ آَثَرَ إِعْرَاضًا بِهِ سُجِنَا(٣٢)
مَا بَيْنَ قَلْبِي إِذَا مَا اسْتَوْطَنَ الفِتَنَا
أَسْرٌ لِعِشْقِي بِإِحْكَامٍ، وَيَأْسُ عَنَى(٣٣)
شَوْقُ الْيَتِيمِ (لِخِضْرٍ) غَائِبٍ أَبَدًا،
عَنِ الْجِدَارِ، إِذَا مَا كَنْزُهُ دُفِنَا(٣٤)
فُلْكٌ عَلَى الشَّوْقِ مَجْرَاهَا وَرَسْوَتِهَا
وَتُخْرَقُ الْفُلْكُ كَيْلَا تُسْتَبَى رُهُنَا(٣٥)
أَبٌ يُرَبِّي تَطَاغِي طِفْلِهِ أَمِنَا
إِذْ يُقْتَلُ الطِّفْلُ كَيْ يَعْتَاضَ عَنْهُ ضُنَى(٣٦)
وَلَوْمُ (هَامَانَ) إِذْ نَادَى بِنَظْرَتِهِ
(فِرْعَوْنَ) في غَرَقٍ: (مَاذَا فَعَلْتَ بِنَا؟)(٣٧)
وَشَمْسُ (يُوشَعَ) وَاسْتِمْهَالُ غَزْوَتِهِ
وَفَارِسٌ في جُيُوشِ الْحُزْنِ قَدْ جَبَنَا(٣٨)
وَرَأْسُ طِفْلٍ عَلَى حِضْنٍ، يُشَابِهُهُ
مُقَامُ مَنْفِيِّ عِشْقٍ يَقْتَضِى السَكَنَا(٣٩)
وَلَيْلُ شَطٍّ وَصَيَّادٌ بِلَا أَمَلٍ
قَدْ هَمَّ بِالْـمَوْجِ لَـمَّا آَبَ فَاحْتَضَنَا(٤٠)
يَرْمِى الشِّبَاكَ شَغُوفًا في شَوَاطِئِهِ
وَلَا يَكُفُّ هَوًى إِنْ طَرَّحَتْ شَجَنَا(٤١)
مَا بَيْنَ قَلْبِي صَدَى نَدَّاهَةٍ نَدَهَتْ
طِفْلًا فَشَدَّ رِحَالَ الْقَلْبِ مَا فَطِنَا(٤٢)
مَا بَيْنَ قَلْبِي خُرَافَاتٌ مُؤَكَّدَةٌ
مَا بَيْنَ قَلْبِي حِكَايَاتٌ وَشَهْدُ جَنَى(٤٣)
جِنِّيَّةٌ حَلَّقَتْ شَدْوًا بِأَجْنِحَةٍ
عَرُوسُ بَحْرِ تَدَنَّتْ تَخْطِفُ الْوَسَنَا
حَمَاسَةٌ؛ غَجَرِيَّاتٌ رَقَصْنَ بِهَا
عَرَّافَةٌ حَذَقَتْ تَسْتَكْشِفُ السُّدُنَا(٤٤)
خَطَّتْ عَلَى الرَّمْلِ ثُمَّ اسْتَنْطَقَتْ وَدَعًا
أَفْضَتْ بِدَمْعٍ بُعَيْدَ اسْتَقْرَأَتْ حَزَنَا(٤٥)
قَالَتْ: (دَوَالَيْكَ تَهْوَى الْعُمْرَ سَاحِرَةً
نَهَاكَ مِنْ سِتِّ حُسْنٍ تُوقِفُ الزَّمَنَا(٤٦)
المعاني
(٢) يسترق أذنا: يسترق سمعًا.
(٣) واغلة: امرأة سيدنا نوح عليه السلام.
(٤) جر السلاسل أحطابا: جر السلاسل للكافرين الذين هم حطب النار، تصلية: إدخال وحرق في النار، تميّز غيظًا: تكاد تتقطّع من الغيظ.
(٥) غوث وقطب: أعلى مراتب الصوفية، على طلسم: ملك الطلسم الذي يشرح الكون، راعية: راعية له وللمريدين وقد كتب البيت في البداية (غوث على طلسم قطب وواقيةٌ مريدَ قلبٍ على الأبواب مرتهنا) حيث من مهام القطب وقاية المريد وغيّر إلى راعية للتسهيل على الذائقة.
(٦) تسدي: تقدّم، الدعوة الجفلى: الدعوة العامة، الدعوة النقرى: الدعوة الخاصة.
(٧) ليل مشعّ اللظى: منير، دجنا: أظلم
(٨) دنا: مفردها دنيا، ممّا تنير دنا: من النيران التي تنير الدنيا بل هي من نيران الآخرة الأشدّ قوّة من نيران الدنيا.
(٩) آخٍ: محرّفة عن آهٍ وليست هي آخٍ التي هي فاعل من الفعل آخا، التهافة لو: معنى التحسّر والتحرّق في”لو”، سوء بخت: سوء حظّ.
(١٠) كمن: كمن له: استخفى في مكان له.
(١١) أتبعت سببا: سلكت طرق ومنازل أو اتّبعت الأسباب المعطاه لها، عذّبني: قتلني، لم يتّخذ حسنا: لم يتّخذ حسنًا فيّ: لم يعلّمني ولم يرشدني للرشاد حتى لو أثناء الأسر.
(١٢) فقد مآلهما: عيناكِ نتيجتهما فقد، دون مدًى: دون حدّ أقصى: نهية الرجم: نتيجة الرجم: فيما بعد حدّ زنا: فيما استقرّ ونتج بعد تنفيذ حد الزنا بالرجم “الموت”.
(١٣) حدس يمامات لصائدها: توقّع اليمامة للصيّاد الذي رآها، من قبل أن يكنا: من قبل أن يجلس أو يتموضع في مكان لقنصها.
(١٤) اندس في سره: اندفن هذا البحر من الوصل وأصبح سريًّا داخله، فما تملّص البحر ممن أغرق العلنا: فلا أفلت هذا الوصل من الذي جعل هذا الوصل سريًّا.
(١٥) والجها: داخل إليها أو فيها، سادن: حاجب أو خادم، خزن: جعلها في خزانة.
(١٦) الهجس: الخاطر في البال أو العقل الباطن.
(١٧) بمنى: بقدر وبحجم.
(١٨) اقتران زحل والمشترى: الاقتران الأعظم، زحل يضرب به المثل في الغلوّ والبعد أو التشاؤم، والمشتري يسمّى كوكب السعد، واقتران الكوكبين يحث على التفاؤل عكس ظهور المذنّبات.
(١٩) استذأبت: تحوّلت لذئب أو تقمّصت خبثه، العواءات: مفردها عواء، استملكت: تملّكت واحتلّت، دجنا: ظلمات أو الليالي المظلمة.
(٢٠) أرسله يرتع: كما قال أخوة سيّدنا يوسف ع.س. لسيدنا يعقوب ع.س.
(٢١) لغرٍّ: لشخص بريء ساذج، الثمالة: ذروة السكر والغياب عن الوعي.
(٢٢) دلّت: تدلّلت وتغنّجت. (٢٣) بينما سفر: خلال سفر، حنا: عطف وحنّ.
(٢٤) أنثى شموس: لا تنكشف على رجال، قلت: أنى: قلت أنى الأمر: حان.
(٢٥) وهيت له: له كل الإغراء الذي في كلمة هيت.
(٢٦) إذا قتّلت نحن “أنا”: إذا قتلت شيئًا يجمعنا هو نفسي نفسي، تأويل سر أنا: تفسير سر الذاتية لديك.
(٢٧) ما ارتضى إلّا لمن أذنا: ما ارتضى دخول أحد إلّا لمن أذن له.
(٢٨) ما أحقّ: ما أجدر أحقية أن يركب السفن ما ودّ البحر ليصل إلى الما وراء: الشاطئ الآخر (للتعجب).
(٢٩) تأثير الفراشة: تعبير عن نظرية الفوضى وملخصه حدوث ظاهرة كبيرة (كالأعاصير) يمكن أن بنتج من تأثير شيء أقل منه بمراحل (رفرفة جناح فراشة) في مكان بعيد عنه كل البعد (كبعد أمريكا عن الصين) خلال سلسلة من التطورات والنتائج المتتالية تفوق حجم البدايات، رفّت: رفرفت، غنا: غناء.
(٣٠) يغالبه: يعاركه ويقاوم حتى يغلبه.
(٣١) ونى: ضعف.
(٣٢) إكبار: تعظيم.
(٣٣) عنى: أسر.
(٣٤) لخضر: لسيدنا الخضر الذي لم يستطع سيدنا موسى (ع.س.) على أفعاله صبرا، الجدار: الجدار الذي يريد أن ينقضّ.
(٣٥) رسوتها: توقّفها عند الشاطئ، تستبى: يأسرها أحد، رهنا: مفردها رهن: الشيء المحبوس حتى استيفاء حقّ.
(٣٦) تطاغي: طغيان، أمِنًا: آمِنًا، يعتاض عنه: يأخذ عوضا عنه، ضنى: ولد أو أولاد.
(٣٧) هامان: وزير فرعون.
(٣٨) يوشع: خليفة وفتى سيدنا موسى عليه السلام.
(٣٩) يقتضي السكنا: يستلزم السكنا.
(٤٠) شطّ: شاطئ، هم بالموج: عزم أمرا ما بشأنه، أب: عاد.
(٤١) لا يكفّ هوى: لا يترك عشقه، طرّحت شجنا: ألقت عليه الأحزان.
(٤٢) النداهة: امرأة أسطورية حميلة تظهر في الريف المصري في الليالي المظلمة تنادي باسم شخص فيُسحر الشخص ويتبع النداء ليجده الأهالي مقتولا في اليوم التالي، ندهت: نادت، شد رحال القلب: تبع نداء الغرام.
(٤٣) شهد جن: شهد عسل. حذقت: امتازت، السدنا: الستور.
(٤٤) الخط على الرمال وضرب الودع أو وشوشة الودع: نوعان من أعمال العرافة والعيافة والكهانة.
(٤٥) الخط على الرمل: قراءة الطالع ومستقبل الشخص بالاستناد إلى مجموعة من الأشكال التي تنتج عن ضرب الرمل بطرف إصبع الساحر أو الحصى،
(٤٦) دواليك: مرة بعد وتلو أخرى، نهاك من ست حسن: تكفيك وتؤنسك بحيث لا تنشغل عنها سواء في خيرها أو شرها.