عدد أبيات القصيدة
نَبُوحُ بِحُبِّنَا، وَالْبَوْحُ عِتْقُ
أَصَابَ قُلُوبَنَا وَلَهٌ، وَعِشْقُ
إِلَى أَيْنَ الْـمَسِيرُ ، أَمَا عَلِمْتُمْ
بِأَنَّ الْوَصْلَ لِلْعُشِّاقِ حَقُّ
زَرَعْتُمْ في خَبَايَا الْقَلْبِ جُرْحًا
عَلَيْنَا بَعْدَ فَقْدِكُمُ يَشُقُّ
يُريقُ دَمَ الْحَيارى مُسْتَبِيحًا
وَيَسْبِي في الْعِبَادِ، وَيَسْتَرِقُّ(١)
لَنَا في طِيبِ ذِكْرَاكُمْ حَيَاةٌ
وَيَسْرَحُ في أُولِي الْأَلْبَابِ شَوْقُ
وَمَا الدُّنْيَا سِوَى دَارِ اغْتِرَابٍ
مُعَانَاةٍ لِأَفْئِدَةٍ تَرِقُّ
أرحْنا مِن هُمُومِ الْقَلْبِ حِينًا
وَحَدِّثْنا إِذَا مَا جَادَ نُطْقُ
بِمَوْلِدِ سَيِّدٍ في الْقَلْبِ يَسْرِي
يَفِيضُ لِوَصْفِهِ رَغْدٌ، وَغَدْقُ(٢)
دَعَا لِـمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِينَا
وَتَمَّ بِنُورِهِ في الْكَوْنِ خُلْقُ(٣)
وَفَلْقُ الصُّبْحِ أَشْرَقَ مِنْ جَدِيدٍ
وَشَقْشَقَ في صَبَاحِ الدَّهْرِ فَلْقُ
وَأَثْنَى الْكَوْنُ في شَغَفٍ عَلَيْهِ
وَسَبَّحَ في حِمَى الرَّحْمَنِ خَلْقُ
فَسَبِّحْ في سُكُونِ اللَّيْلِ حَمْدًا
فَإِنَّ الْحَمْدَ لِلْعُبَّادِ رِزْقُ
وَذَكِّرْنا بِسِيرَةِ خَيْرِ خَلْقٍ
يَفُوحُ لِسَرْدِهَا عِطْرٌ، وَصِدْقُ
يَهُودَ بَنِي النُّضَيْرِ مَتَى صَدَقْتُمْ
وَحِفْظُ عُهُودِكُمْ نَقْضٌ، وَخَرْقُ
رَسُولُ اللَّهِ أَمَّنَكُمْ؛ فَخُنْتُمْ
وَضَلَّلَ سَعْيَكُمْ في الْأَرْضِ حُمْقُ
فَأَمْهَلَ لِلْرَّحِيلِ جَزَاءَ غَدْرٍ
وَحَذَّرَكمْ بِمَا تَخْشَاهُ عُنْقُ
وَمِنْ خَلْفِ الْحُصُونِ قَدِ احْتَمَيْتُمْ
وَأَغْرَاكُمْ طَرِيقٌ مُسْتَدَقُّ(٤)
وَمِنْ رَأْسِ النَّخِيلِ إِذَا رَمَيْتُمْ
نِبَالَكُمُ يَرُدُّ الرَّمْيَ حَرْقُ
فَلَا تَعْلُو بِلَيْلِ الظُّلْمِ شَمْسٌ
وَلَا يُؤذي ضِيَاءَ الْحَقِّ رَشْقُ
فَسَلَّمْتُمْ، وَهَادَنْتُمْ لِعَفْوٍ
وَوَجْهُ الْحُرِّ بَعْدَ الْأَسْرِ طَلْقُ(٥)
خَرَجْتُمْ مِنْ مَدِينَتِكُمْ بِزَهْوٍ
مَدَدْتُمْ بِالدُّفُوفِ يَدًا تَدُقُّ
خُذُوا مَا شِئْتُمُ مِمَّا كَسَبْتُمْ
وَأَلْقُوا عُدَّةً لِلْحَرْبِ أَلْقُوا
بِيَوْمِ مَذَلَّةٍ فُزْتُمْ بِصَفْحٍ
وَتَرْكُ غَنَائِمِ الْأَعْدَاءِ رِفْقُ
وَلَمْ تَسْتَأْنِسُوا سِلْمًا، وَأَمْنًا
وَأَشْعَلَ صَدْرَكُمْ حِقْدٌ، وَأَزْقُ(٦)
وَحَرَّضْتُمْ نُفُوسًا في خَفَاءٍ
وَلَانَ لِقَوْلِكُمْ غَرْبٌ، وَشَرْقُ
وَأَطْعَمْتُمْ (بَنِي غَطْفَانَ) وَهْمًا
وَأَقْنَعْتُمْ (قُرَيْشَ)، وَلَاحَ أُفْقُ
أَشَارَ عَلَى النَّبيِّ سَدِيدُ رَأْيٍ
نُخَنْدِقُ حَوْلَهَا، وَالْحَلُّ غَلْقُ
وَصَبْرٌ لِلصَّحَابَةِ في ثَبَاتٍ
بِنَبْضِ قُلُوبِهِمْ حَفَرُوا، وَشَقُّوا
رِجَالٌ لَقَّنُوا الْإِعْجَازَ دَرْسًا
تَرَقُّوْا نَصْرَ مَجْدٍ لَمْ يَـهُقُّوا(٧)
يُظَلِّلُكُمْ بِنُورِ اللَّهِ وَعْدٌ
وَقَائِدُكُمْ لَهُ في الْعَزْمِ سَبْقُ
نَبِيٌّ كُلُّ دَعْوَتِهِ سَلَامٌ
فَأَيَّ جَلَالَةٍ هُوَ يَسْتَحِقُّ
فَلَا ظُلْمٌ لَدَيْهِ، وَلَا ضَلَالٌ
وَلَا بَغْيٌ، وَلَا جَوْرٌ، وَفَرْقُ
وَبِالتَّقْوَى قُلُوبُ النَّاسِ تُبْلَى
فَلَا حَسَبٌ، وَلَا نَسَبٌ، وَعِرْقُ
وَيُسْمَعُ في الْـمَدِينَةِ صَوْتُ زَحْفٍ
تَشِيبُ لَهُ الْجِبَاهُ يَجِفُّ حَلْقُ
تَضِيقُ بِهِ نُفُوسٌ مَا اسْتَرَاحَتْ
وَيَسْكُنُ في قُلُوبِ النَّاسِ خَفْقُ
وَتَهْتَزُّ الْحَنَاجِرُ مِنْ قُلُوبٍ
وَتُوجِسُ خِيفَةً، يَشْتَدُّ خَنْقُ
كَأَنَّهُمُ الْحَدِيدُ يَلِينُ جَنْبًا
وَيَكْثُرُ فَوْقَهُ ضَرْبٌ، وَطَرْقُ
كَأَنَّ الْقَوْمَ في يَوْمٍ مَطِيرٍ
وَكُلُّ رِدَائِهِمْ رَعْدٌ، وَبَرْقُ
وَيَمْتَدُّ الْحِصَارُ بِجُوعِ بَرْدٍ
وَيُعْصُرُ بَأْسُهُمْ يَزْدَادُ طَوْقُ
وَهَمَّ الْـمُشْرِكُونَ إِلَى قِتَالٍ
وَكُلُّ مُرَادِهِمْ لِلصَّفِّ شَقُّ
يَجُولُ بِصَدْرِهِمْ عَجَبٌ، وَكِبْرٌ
وَيَمْلَأُ قَلْبَهُمْ غَيٌّ، وَفِسْقُ
فَشَتَّتَهُمْ بِفَضْلِ اللَّهِ جُنْدٌ
وَمَزَّقَهُمْ بِعَوْنِ اللَّهِ مَزْقُ
بِرِيحٍ صَرْصَرٍ طَافَتْ عَلَيْهِمْ
أَصَابَ جُيُوشَهُمْ سَحْقٌ، وَمَحْقُ(٨)
تَسَلَّلَ بَيْنَهُمْ رُعْبٌ، وَيَأْسٌ
تَسَرَّبَ فِيهُمُ خَوْفٌ، وَصَعْقُ
فَمَا طَالَ التَّحَالُفَ أَيُّ عِزٍّ
وَمَا نَفَعَ الْعِدَى وَثْبٌ، وَنَزْقُ
خُذوا مِنْ جِنْسِ فِعْلِ الظُّلْمِ، وَاشْقَوْا
يُبَاغَتُكُمْ عِقَابٌ مُسْتَحَقُّ
أَعَزَّ اللَّهُ مَنْ وَالَاهُ طَوْعًا
أَذَلَّ حَمَاقَةَ الْكُفَّارِ رِقُّ
وَأَلَّفَ بَيْنَ مَنْ ثَبَتُوا، وَضَحُّوا
وَبَعْدَ جَلَاءِ هَمٍّ شَعَّ رَتْقُ(٩)
وَكُلُّ حِكَايَةٍ في الْحَقِّ تُحْكَى
لَهَا هَدَفٌ، وَتَذْكِرَةٌ، وَعُمْقُ
المعاني
(2) غدق: اتساع، رغد.
(٣) خُلْق: الخُلُق.
(٤) مستدقّ: ضيّق.
(٥) طلق: متهلل، ومشرق.
(٦) أزق: ضيق.
(٧) هقّ: هرب مذعورا.
(٨) محق: هلاك.
(٩) رتق: إصلاح.