عدد أبيات القصيدة
وَمَشَيْتِ بِي، وَيَدَاكِ تَرْتَجِفَانِ
وَبَكَيْتِ مِثْلَ الْطِّفْلِ في أَحْضَانِي
الْآنَ جِئْتِ، وَدُونَ سَابِقِ مَوْعِدٍ
وَتَذَكَّرتْ عَيْنَاكِ أَيْنَ مَكَانِي
الْآنَ جِئْتِ تُعَشِّشِينَ بِدَاخِلِي
كَالْقِطَّةِ الْبَيْضَاءِ في شِرْيَـانِي
(تَتَشَعْبَطِينَ) عَلَى الذِّرَاعِ كَطِفْلَةٍ
نَجَحَتْ مَعِي في اللفِّ، وَالدَّوَرَانِ(١)
وَرَمَيْتِ بِالْوَرْدِ الْـمُعَطَّرِ في يَدِي
وَطَلَبْتِ عَوْدَةَ رِقَّتي، وَحَنَانِي
وَنَسِيتِ دَمْعِيَ، وَاحْتِرَاقَ مَشَاعِرِي
وَبُكَاءَنَا الْـمَسْكُوبَ في الْوِجْدَانِ
أَهْلًا بِحُبّـِكِ بَعْدَ مَوْتِ قَصِيدَتِي
أَهْلًا بِحُبِّـكِ بَعْدَ طُولِ زَمَانِ
مَا عُدْتُ أَنْفَعُ في الْحَقِيقَةِ عَاشِقـًا
إِنِّـي تَرَكْتُ عِبَادَةَ الْأَوْثَـانِ
مَا عُدْتُ (زِنْدِيقًـا) أَنَا، أَوْ مُلْحِدًا
وَرَجَعْتُ بَعْدَ الْكُفْرِ لِلْإِيـمَانِ(٢)
مَا عُدْتُ أُومِنُ في الْخُرَافـَاتِ التي
كَانَتْ تَرَى عَيْنَيْكِ كُلَّ كَيَانِي
وَتَكَبَّرَتْ عَيْنَايَ بَعْدَ وَدَاعِـنَا
وَتَخَلَّصَتْ مِن عَـادَةِ الْإِدْمَانِ
وَقَفَلْتُ بَابَ الْحُبِّ، وَانْـتَحَرَ الْهَوَى
وَقَتَلْتُ في زَمَنِ الْغَـرَامِ هَوَانِي
وتَرَكْتُ قَلْبِي في الْجَحِيمِ مُحَطَّمًا
وَأَخَذْتُ تَوْكِيـلًا مِنَ الْأَحْزَانِ
أَغْلَقْتُ مُعْتَقَلَ الضَّيَاعِ هَدَمْتُـهُ
وَهَرَبْتُ مِنْ سِجْنِي، وَمِنْ قُضْبَانِي
وَثَّقْتُ في كُتُبِ الْحَنِينِ تَمَرُّدِي
أَسَّسْتُ تَنْظِيمًـا مِنَ الْعِصْيـانِ
سَرَّحْتُ حُرَّاسِي فَتَكْتُ (بِيَاوِرِي)
أَعْدَمْتُ بَعْدَ ضَيَاعِنَـا وِجْدَانِي(٣)
وَمَسَحْتُ ذَاكِرَتِي بِمِمْحَاةٍ كَمَا
أَنْهَيْتُ دَوْرَ الْعَاشِقِ الْوَلْهَـانِ
وَقَطَعْتُ تَذْكِرةَ الْهُرُوبِ مِنَ النِّسَا
ءِ، وَذَابَ طَعْمُ الْحُبِّ فَوْقَ لِسَانِي
رُفِعَ السِّتَارُ ، وَصَفَّقَ الْجُمْهُورُ لي
وَخَرَجْتُ عَنْ نَصِّي، وَعَنْ أَلْحَانِي
أَعْلَنْتُ حَالَاتِ الطَّوَارِئِ عِنْدَمَا
كَانَتْ عُيُونُكِ دَائِمًـا تَنْسَـانِي
مَاذَا فَعَلْتُ، وَكُلُّ ذَنْبِي أَنَّنِي
(وَشْوَشْتُ) قَلْبَكِ مَـرَّةً بِحَنَانِ(٤)
إِنَّ الرُّجُوعَ إِلَيْكِ صَعْبٌ مُؤْلِمٌ
كَالثَّلْجِ، وَالْحَلْوَى عَلَى أَسْنَانِي
إِنَّ الرُّجُوعَ هُوَ الْجُنُونُ بِعَيْنِهِ
أَتُرَى أَعُودُ لِعِيشَةِ الْحِرْمَانِ
أَنَا لَا أُفَكِّرُ في مُـمَارَسَةِ الْهَوَى
بَعْدَ انْتِحَارِ الْوَرْدِ، وَالْأَلْوَانِ
قَدْ صُمْتُ عَنْ صَيْدِ النِّسَاءِ، وَإِنَّنِي
شَمَّعْتُ في سُوقِ الْهَوَى دُكَّاَنِي
فَاتَ الْأَوَانُ عَلَى شِفَاءِ جِرَاحِنَا
مَـاتَ الْحَنِينُ لـِثَغْرِكِ الْفَتَّانِ
قَدْ كُنْتِ يَا قَمَرَ الزَّمَانِ حَبِيبَتِي
قَدْ كُنْتِ عُنْفَ قَصِيدَتِي، وَرِهَانِي
قَدْ كُنْتِ أَجْمَلَ وَرْدَةٍ بَرِّيَّـةٍ
وَأَمِيرَةً سَحَرَتْ مُلُوكَ الْجَانِّ
قَدْ كُنْتِ أَعْنَفَ قِصَّةٍ بُوذِيَّـةٍ
حُكِيَتْ عَلَى الْبُسَطَاءِ في الْوِدْيَانِ
كَانْتْ عُيُونُكِ في الْحَيَاةِ قَصِيدَةً
نُقِشَتْ بِـمَاءِ الْقَلْبِ في الْجُدْرَانِ
كُنْتِ الْحَضَارَةَ في عُصُورِ تَخَلُّفِي
وَسَفِينَتِي في ثَوْرَةِ الطُّوفَـانِ
كُنْتِ اكْتِشَافًا، وَاخْتِرَاعًا مُذْهِلًا
وَتَقَدُّمًـا في خِبْرَةِ الْإِنْسَانِ
كُنْتِ الْـمَزَامِيـرَ التي أَنْشَدْتُهَا
قَدْ كُنْتِ قَبْلَ فِرَاقِنَـا قُرْبَـانِي
قَدْ كُنْتِ إِعْجَازًا عَجِيـبًا خَارِقًا
وَتَطَوُّرًا مَـا كَانَ في الْحُسْبَانِ
قَدْ كَانَ يَكْفِي أَنْ تُغَنِّـي مَرَّةً
فَتُحَقِّقِي مَـا لَيْسَ في الْإِمْكَانِ
وَتُغَيّـِرِي مَجْرَى الزَّمَانِ بِلَحْظَةٍ
وَتُلَـوِّنِي الْأَمْوَاجَ في الْخِلْجَانِ
وَتُفَتِّحي الْوَرْدَ الْحَزِينَ بِرِقَّـةٍ
وَتُوَرِّدي الْأَشْجَارَ في الْبُسْتَانِ
(وَتُوَشْوِشِي) الْوِجْدَانَ كُلَّ دَقِيقَةٍ
وَتُكَلِّمِي الْأَمْطَارَ في الْغِيطَانِ
كُنْتِ الْبِشَارَةَ، وَالنُّبُوءَةَ في الْهَوَى
وَرِسَالَةَ الْعُشَّـاقِ في الْأَزْمَانِ
أَنَا مَنْ جَعَلْتُكِ في الْغَرَامِ أَمِيرَةً
وَخَطَفْتُهَا في الليْلِ فَوْقَ حِصَانِي
وَزَرَعْتُهَا كَالْوَرْدِ بَيْنَ أَنَامِلِي
وَقَطَفْتُهَا مِنْ زَهْرَةِ الرُّمَّانِ
وَلَـمَحْتُهَا في قِصَّةٍ مَسْحُورَةٍ
وَحَمَلْتُهَا في الْهَوْدَجِ الْخَجْلَانِ(٥)
كَمْ كُنْتُ أَحْمِلُ في حَدَائِقِ أَضْلُعِي
عِشْقًا بِلَوْنِ الْبَحْرِ، والشُّطْآنِ
(وَتَبَرْفَنَتْ) لَكِ كُلَّ يَوْمٍ حُجْرَتِي
(وَتَشَيَّكَتْ) بِـمَهَارَةٍ قُمْصَانِي(٦)
وَالْـمَقْعَدُ الْـهَزَّازُ مُنْـتَظِرٌ مَعِي
(تَتَمَرْجَحِينَ) عَلَيْـهِ كَالْغِزْلَانِ(٧)
فَنَسَفْتِ مَا شَيَّدتُـهُ في لـَحْظَةٍ
وَتَخَصَّصَتْ عَيْنَاكِ في الطُّغْيَانِ
وَسَخَرْتِ مِنْ قَلْبِي، وَمِنْ دَقَّـاتِـهِ
وَتَكَبَّرَتْ عَيْنَاكِ، وَالشَّفَتَانِ
وَهَجَرْتِ أَمْوَاجِي، وَحِضْنَ سَوَاحِلِي
وَهَرِبْتِ نَحْوَ سَفِينَةِ الْقُرْصَانِ
الْآنَ أَطْلُبُ مِنْكِ أَنْ تَتَبَخَّرِي
مِثْلَ الْفَرَاشَةِ مِنْ دَمِي، وَكَفَانِي
أَنَا لَا أُهَدِّدُ بَلْ أُسَجِّلُ مَوْقِفِي
مَازِلْتُ طِفْلًا في الْحَيَاةِ أُعَانِي
المعاني
(٢) زنديق: من مارس الزندقة، الضال الملحد، من أظهر الإيمان، وأضمر الكفر.
(٣) ياور: مساعد، كبير الحرس “الفارسية، التركية”.
(٤) وشوشت: همست بصوت خافت.
(٥) الهودج: محمل له قبّة يوضع على ظهر جمل تركب فيه النساء.
(٦) تبرفنت: تعطّرت، تشيّكت: تأنّقت، تهندمت.
(٧) تتمرجحين: تتأرجحين.